حينما ترحل الأم يصبح الأبناء مهما كبروا يتامى، الأم وحدها من تنثر الحنان بلا مقابل، وهي وحدها من تستحق الدموع، الحزن، الرثاء.. ماتت أمي، وشعرت ونحن نحملها على أكتافنا وكأنها تخاطبني قائلةً: ولدي سألتك بالذي خلق السماء ألا تثور وتنتفض إني تركت الناس في حفظ الإله وتركت قلبي في ثنايا حجرتي ليزور روحك عندما تنساني.. ولدي رجوتكَ أن تكون كما عهدتك دائما أملاً يعانق لوعة الآهاتِ إني رحلت ورحلتي ميمونة أرجو بها الرحمن في صلواتي أعددت زادي والمتاع ودمعتي في ليلة وردية الظلماتِ أيقنت أني راحلة فسألت ربي دائماً سيرًا حثيث الجهد في الخطواتِ وسالت ذكراك التي عاشت سنيناً طائلة في القلب والحجراتِ ألا أموت بعيدةً ألا أموت وحيدةً ألا تسيل من الجفاء دمعاتي. أعطيتني حلو الحياة ولذة العيش السعيد ونسجت من قوس المطر شالاً لكل حياتي. كنت سيد قلبي المرهون حباً طاهراً أقربتني، ناديتني بمليكتي، مولاتي. إن عشت عمراً كاملا أهديته للقاكَ، أني تبسم خاطري والعمر حين أراكَ. يا مهجتي إني تركتك مجبرة ورحلت نحو المقبرة لكنني ما زلت أسكن روحك الولهى وفوق ثراكَ في مقعدي أو حجرتي أو بين أبنائي الذين عهدتهم أملاً وبلسم عمري المكتوب في الأقدارِ يا رب إني قد رضيت فارضه ولدي حبيبي البارِ. ***** نعم، كأني سمعتُ أمي في كلمات الوداع، فرد عليها قلبي قبل لساني: أمي بكاكِ الناس والأزهار وبكاكِ حتى جارنا والبيت والأطيار أمي بكتك دفاتري ومحابري ومحاجري وموائد الإفطار أمي بكيتك حينما وارى التراب جمالك الوضاء يا ليتني قد كنت أملك حكمة الأدباء لرثيت موتك كلما رسمت حروفي للدنى أضواء أنا ما كبرت.... ما خط مفرق شعري الشيب الغزير لأنني ما زلت طفلك ذلك الذي أهوى معك، فتات الخبز، طعم الشاي طعم الحب، يا أمي يسابق كل لقماتي.. والآن يا أماه تسابق لقمتي دمعةٌ...ومعها كل آهاتي.. بكينا حينما واراك التراب وعدنا بدونك أمي.. تيقظنا على حقيقة ان أمي رحلت، ابتعدت، فصرت وحيداً دونك أمي، باردٌ كل شيء هادئ كل شيء. بكيتك يا أمي، فرحماك ربي بقلبي ورحماك ربي بأمي ورحماك ربي بعينيّي. إني فقدت الضياء، فقدت الهناء، فقدت الرجاء، بعودة أمي.. إلى جنة الخلد أمي.. إلى خير جار إلى خير صاحب.. ستبقين يا أمي العمر كله بقلبي فرحماك ربي بأمي.