بعد أن تسلّم سدة الحكم في الإمارة الخليجية الصغيرة، أرسل تميم بن حمد إلى جيرانه إشارات إلى أن المشكلات القديمة التي أحدثها والده وحمد بن جاسم ستكون من الماضي، وأن القيادة القطرية تعتزم المضي قدماً في تفاهماتها مع دول الخليج والاستقرار الاقتصادي، بعيداً عن المراهقة السياسية التي كانت عنوان مرحلة قطر منذ انقلاب 1995. ولم تصمد إشارات تميم التي حرص على إيصالها كثيراً، وتعهده الموقع بخط يده الذي وصفه خليجيون حينها ب«خارطة طريق» لخروج بلاده من مراهقتها السياسية. وعادت «حليمة لمراهقتها القديمة» على حد تعبير مراقبين. ويبدو أن تميم الذي يضيع الفرص واحدة تلو الأخرى لا يمسك بزمام الأمور في بلاده، إذ تشير تقارير غربية عدة، بينها استخباراتية، إلى أن والده لا يزال قوياً في دوائر صنع القرار وأن ابتعاده صوري. ورغم قوة التعهد الذي وقع عليه تميم بن حمد بخط يده في جلسة جمعته مع الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح بالرياض في نوفمبر 2013، والذي تضمن «السبل الكفيلة بإزالة ما يؤثر على أمن واستقرار دول المجلس»، وجاء في أبرز بنودها طرد والتوقف عن دعم الجماعات الإرهابية المتطرفة كتنظيم «الإخوان»، وزاد تميم تعهده قوة بتوقيعه على اتفاق الرياض التكميلي في نوفمبر 2014، إلا أن القوى المتحكمة بالقصر القطري حرقت فرصة إضافية لعودة الدوحة لمحيطها الخليجي، عبر سياسة المراوغة والكذب. ويقف إرث حمد بن خليفة الأسود ورجاله في دوائر صناعة القرار في قطر عائقاً أمام أي فرصة تلوح في الأفق لتميم الذي بدا بلا لون، فيما يذهب مراقبون إلى وصف تميم ب «خيال المآتة» للتغطية على سياسة والده التي عملت على تقويض الاستقرار في المنطقة. وبعد مرور أكثر من عام على مقاطعة الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب للنظام القطري، يدرك القطريون قبل غيرهم أن الحل في الرياض، وأن في المطالب ال 13 والمبادئ ال6 خارطة طريق لعودة الدوحة إلى عمقها الاستراتيجي، بيد أن المكابرة القطرية ضيعت المزيد من الفرص وحرقت الكثير من خطوط العودة. وبالعودة إلى الخطايا الكبيرة التي ارتكبها النظام القطري منذ بداية أزمته التي ضيقت الخناق على تمويله للإرهاب والتطرف والدمار، فإنها أخذت بالتمدد والتوسع، بدءاً من اليمن، إذ طعن النظام القطري التحالف العربي لمساندة الشرعية التي كان جزءاً منها، وأضحى يحرض عليه ويطعن خاصرة اليمنيين ويسوق الفبركات والأكاذيب، دعماً للمعسكر الإيراني، الذي يرى فيه طوق نجاة. ولم تكن طعنة تنظيم الحمدين لليمنيين الوحيدة، بل امتد إلى فتح آفاق لنظام الملالي الذي يعاني من العقوبات الأمريكية، وتخفيف وطأة العقوبات الجديدة، والتآمر على البحرين ومحاولة تقويض استقراره، إضافة إلى تحريضه المستمر على المملكة والإمارات. وجاءت حادثة خاشقجي استمراراً للنهج القطري التآمري على المملكة، إذ ضخت سيلاً من الأكاذيب والفبركات وشاركت في حملة مسعورة تستهدف المملكة لمحاولة النيل منها والإساءة لها. ويشير مراقبون إلى أن استمرار النظام القطري في التآمر على جيرانه يزيد من تكلفة العودة التي لا تلوح أي مؤشرات لتحقيقها في الأفق، وأضحى رأي محلي في الأوساط الخليجية الشعبية يتشكل بأن النظام القطري لن يصلح حاله إلا بالرضوخ غير المشروط لمطالب الدول الأربع. ولم تكن مراهقة حمد بن خليفة السياسية عبئاً على جيران قطر، بل طالت المواطنين القطريين أنفسهم، بعد أن استنزف المليارات من أموالهم على مشاريع سرعان ما تهاوت وأظهرت هشاشتها، إذ أنفق أموالاً طائلة على الجماعات الإرهابية، وأسس شبكات إعلامية استنزفت جيوب القطريين كثيراً، حتى أن أحد التقارير يشير إلى أن النظام القطري أنفق على شبكة «الجزيرة» وحدها أكثر من 700 مليون دولار في عام 2010! وأمام كل الفرص التي ضيعها النظام القطري برعونة إدارته، وكل الخطايا التي يقترفها «الحمدين» ضد جيرانه في كل قضية سانحة، يبقى السؤال الكبير يدور صداه في الأوساط الشعبية الخليجية: «ما الذي تبقى لهم من خطوط العودة بعد أن كابروا وعمقوا الجراح بتآمرهم وخيانتهم؟».