إذا كان كثيرون فوجئوا بحجم التورط القطري على أعلى مستوى في القيادة القطرية بالمحاولة الآثمة والفاشلة التي تبناها المقبور «القذافي» لاغتيال مليكنا الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله، والذي كشف عنه أخيرا المستشار بالديوان الملكي والمشرف على مركز الدراسات والشؤون الإعلامية سعود القحطاني، فإن دور قطر هذا كان معروفا منذ وقت مبكر للقيادة السعودية ولعواصم أخرى عربية وأوروبية وللأجهزة الاستخباراتية التي تابعت الملف منذ اللحظة الأولى التي أعلنت فيها السعودية الكشف عن العملية وإفشالها. لكن القيادة السعودية، ولاعتبارات كثيرة، ارتأت أن تغلق هذا الملف، وتجاوزت عن المشاركة القطرية بالمحاولة تغليبا للمصالح العليا للدول الخليجية، تماما مثلما تجاوزت لاحقا عن قضية التسجيلات «المعروفة» التي كشف عنها القذافي قبل سقوط نظامه نكاية بالقطريين، ويظهر فيها بوضوح «صارخ» حجم التآمر القطري على أمن واستقرار السعودية، وتورط أمير قطر السابق حمد بن خليفة في محاولة الاغتيال الفاشلة التي لو كتب لها النجاح «لا سمح الله» لربما كانت سببا في انزلاق بلادنا لحالة تشبه الحالة السورية والليبية الآن وهو الهدف الذي كان يسعى له القذافي و«الحمدين». لقد تسامت القيادة السعودية فوق الألم والجرح والصدمة التي تسبب بها انكشاف المؤامرة وتورط أمير قطر ووزير خارجيته السابقين فيها، وعالجت القضية بالكثير من الحكمة والروية والصبر والتسامح، وكانت تتوقع من قطر أن تكفر عن ذنبها بالتوقف نهائيا عن التآمر على السعودية، خصوصا بعد أن تنازل حمد بن خليفة لابنه تميم بن حمد لحكم الإمارة، وجرى تنحية رئيس الوزراء وزير الخارجية حمد بن جاسم عن منصبه وخروجه عن دائرة صناعة القرار، لكن مع الأسف أن «الحمدين» أساءا فهم التسامح والصبر السعودي، واستمرا بالمشاركة في صناعة قرار الدوحة والتأثير على سياساتها وتوجهاتها المعادية للسعودية من وراء الستار. موسى كوسا والملاذ القطري وبالعودة لتورط أمير قطر السابق بمحاولة اغتيال الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله، كان لافتا أن قطر سارعت قبيل سقوط حكم القذافي وجلبت رئيس الاستخبارات ووزير الخارجية الليبي السابق موسى كوسا الذي ورد اسمه في اعترافات المتورطين بالمحاولة الفاشلة، وقامت قطر بمنحه الجنسية القطرية وقصرا فخما وسط الدوحة وأغدقت عليه من النعم وعملت على إخفائه تماما عن المشهد، إذ لم يسجل له أي ظهور منذ ذلك الوقت، وهذا يدل على أن القطريين حرصوا على إخفاء هذا الرجل بسبب اطلاعه على كل المعلومات التي تثبت تورطهم بالمحاولة، وتحدثت تقارير إعلامية أن القطريين يفرضون على موسى كوسا «إقامة جبرية» في قصره خشية أن يصل إليه أي أحد ويستنطقه حول دور القطريين في محاولة الاغتيال، إذ يعتقد القطريون أنهم بإخفاء موسى كوسا يدفنون سر تورطهم بمحاولة الاغتيال إلى الأبد، لكن فات عليهم أن السعودية تلقت عقب سقوط نظام القذافي سيلا من المعلومات حول الدور القطري بالمحاولة. لقد كان حرص القطريين على موسى كوسا من بين كل أركان نظام القذافي وجلبه إلى قطر حتى قبل سقوط نظام القذافي ومن ثم إخفائه مثيرا للتساؤلات عند كثير من المتابعين للتحركات القطرية في ذلك الوقت، وجاء كشف المستشار سعود القحطاني عن دور قطر في محاولة اغتيال الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله، ليجيب على هذه التساؤلات ويضيء على الغموض الذي أحاط بعلاقة موسى كوسا بالقطريين. لماذا الآن؟ قد يقول قائل إن هذا من الماضي وإن القيادة السعودية تجاوزت هذه القضية وتصالحت مع المتورطين فيها ووضعت كل تفاصيلها خلف ظهرها، فما الداعي من العودة لها وإعادتها للسطح الآن؟ وفات من يرى هذا الرأي أن كشف تورط أمير قطر ووزير خارجيته السابقين في عملية فاشلة لاغتيال ملك السعودية تؤكد حقيقة أن الصبر السعودي على التآمر القطري كان طويلا وكبيرا، وأن القيادة السعودية التي غفرت للقيادة القطرية هذه الجريمة النكراء لم تقابل من القيادة القطرية إلا بالنكران والجحود والمزيد من التآمر، وتؤكد أن قرار السعودية بمقاطعة قطر لم يتخذ إلا بعد أن نفد صبر السعودية على العبث والتهور القطرييْن، وأنها لم تعد تقبل من قطر وقيادتها المزيد من الإيذاء والإساءة والممارسات العدائية.