من طبيعة الأساطير أنها تحمل في طياتها الكثير من المبالغات والتطرف حد التعالق بين الخرافة وبين الأسطورة وبين التخييل والوهم بحكم أن إيراد الأساطير يأتي خارج استيعاب الواقع المعاش. كل الشعوب لديها تراث كبير من الأساطير مما هو خارج إطار المعقول كونها متعلقة بأرواح وشخصيات مقدسة وتسجيلاً لأحداث سبقت عصر التدوين. ولم يسلم التراث الأدبي العربي من تأثره بالأساطير والخرافات مما ورد في أشعارهم ومروياتهم. ولا ريب أن أي ثقافة تكتنز أساطير لتستقوي بالظواهر الصوتية والصورية المرئية وغير المرئية العالية ومنها الأسطورة، خصوصاً أن القرآن تحدث عن أساطير الأولين باعتبارها أحد أسس الثقافة العربية وإن على مستوى المخيال الشعبي. ولن تعدم الثقافة الأسطورية حساً جمالياً خصوصاً عندما تتحول لكتابة إبداعية. وفي إصداره الحديث «ميثولوجيا الأيام. البُعد الأسطوري في المرويات الأدبية والتاريخية لأيام العرب الجاهلية» يتناول الزميل العكاظي الدكتور عبدالله محمد العقيلي الأسطورة من تحديد المصطلح واستعراض جملة من التعريفات العربية والأجنبية، وكيف وقع الخلط بين الأساطير باعتبارها من التسطير وهو الكتابة وبين الأباطيل التي ترد على ألسنة الرواة الشفاهيين دون توثيق لها. ووثق ما يراه البعض من أن لفظ أسطورة ورد في اللسان اليوناني «story» و«history» مشيراً إلى أن القصة والتاريخ بيئة للأساطير عبر التاريخ، كما رصد الجذر اللغوي للمفردة في اللغات السامية على اختلافها الزماني والمكاني. وخرج الباحث بورود الأسطورة على ألسنة الجاهليين، ومن ذلك قول الشاعر عبيد السلامي «فلم يتركا إلا رسوماً كأنها، أساطيرُ وحي في قراطيس مقتري». وقول عبدالله بن الزبعري «ألهى قُصياً عن المجد الأساطيرُ». كما وردت في القرآن الكريم ذكر أساطير الأولين أكثر من مرة. ويؤكد العقيلي أن الأساطير كانت وما زالت مثار جدل بين الباحثين، وعزا سبب الجدل الدائر إلى الخلاف حول تعريف الأسطورة، وماهية الحدود بين ما هو أسطوري وما ليس بأسطوري، ومدى ارتباط الأساطير بكائنات فوق طبيعية وبالطقوس وبداية وجود الإنسان على الأرض، إضافة إلى ما لحق بالأساطير من ترميز كونها خارقة للمألوف، وتناولها شعبياً بكثير من الهالة والقداسة. وقسم العقيلي الأساطير إلى قسمين، أحدهما غيبي «ميتافيزيقي» مرتبط بمعبودات الإنسان القديم وما كان يعتقد أنه آلهة، أو شبه آلهة ما يضفي على الأسطورة بعداً تقديسياً. وآخر حكائي يأخذ صفة السرد التقليدي. ولفت العقيلي إلى أن مصطلح الأيام الوارد في العنوان جاء من إطلاق العرب على الحقب التي اختلفوا فيها على المراعي ومنابت العشب «الأيام»، وبناء على تلك الأيام نشأت المفاخرة وحضر التباهي ما ولّد في الذاكرة لاحقاً رواية ملاحم كبرى لا يكاد يصدقها العقل كونها أقرب للخوارق والمعجزات ما عزز تسميتها بالأسطورة بحكم المبالغات التي يدبجها الغالب على حساب المغلوب. وجاء الكتاب في أربعة أبواب تضمنت: «شجرة الأنساب والحروب القديمة، وسير بعض الأبطال التاريخيين، ومصارع الأبطال وثأراتهم، ومع الطبيعة وما وراءها». الكتاب الصادر عن جداول سيحضر في معرض كتاب جدة والرياض، وأزعم أنه يهذّب ما في أذهاننا من أساطير بحكم اطلاع الزميل العقيلي على مراجع كثيرة واعتماده على ما يزيد على 250 مؤلفاً من المصادر والمراجع التي تمت الإحالة إليها في هوامش الكتاب، سواء من متون التراث العربي والمدونات الأدبية والتاريخية، أو من كتب أساطير الحضارات القديمة. فيما عدّ الناقد الدكتور سعيد السريحي الكتاب إضافة نوعية للمكتبة العربية كونه يكشف جانباً من التاريخ الذي لا يستقيم لنا فهم طبيعة المجتمع العربي قبل الإسلام دون الوقوف عليه، بل لا يستقيم لنا دونه فهم واقع العالم العربي اليوم، إذ لاتزال الأساطير والمرويات التاريخية والأدبية تفعل فعلها فينا على نحو يؤكد مقولة أن العرب أمةُ تراثية وليست أمةً لها تراث.