عندما انتشر الفيلم الأمريكي «تيتانيك» في دور العرض بكى العالم أجمع على «جاك وروز»، لم يذكر الجميع أن ضحايا تلك الكارثة الذين بلغ عددهم 1517 غريقاً كان أغلبهم من النساء والأطفال، لكن المخرج جعل العالم يتعاطف فقط مع البطل والبطلة، هذا ما يفعله الإعلام. عندما اغتيلت براءة الطفولة على يد الصهاينة في مقتل الطفل الأعزل محمد الدرة، صرح الجميع بأنه قُتِل برصاصة طائشة، عندما تهجمت إيران على سفارة المملكة في طهران ونَكَّلَت بالدبلوماسيين التزم الجميع الصمت. الآن وتحت الظروف الراهنة، أصبحت قضية وفاة الكاتب السعودي جمال خاشقجي -تغمده الله برحمته الواسعة وألهم ذويه الصبر والسلوان وجبر مصابهم- قضية رأي عام، علماً بأن الفقيد سعودي الجنسية، القنصلية سعودية والمتهمون سعوديون، وكانت المملكة على قدرٍ عالٍ من الشفافية بأن سمحت للسلطات التركية أن تتدخل ولم تعِق مجهودات التحقيق الجنائي، بل وأصدرت تصريحاً بإدانة المتهمين وإحالتهم للقضاء.. تحدث الجميع، وفجأة تذكرت هولندا، ألمانيا، فرنسا وبريطانيا حقوق الإنسان التي تنتهك في الثانية آلاف المرات في القدس ولم يتحدث عنها أحد! لم نتعد على حقوق أي دولة ولم نتدخل في شؤونها السياسية لكن للأسف هذا ما يفعله الإعلام المغرض. الحقيقة التي لا تغيب عن البال أن الإعلام أقوى سلطة تملكها أي دولة، فهو العامل المؤثر في المجتمعات، ونشر ثقافة الحوار بين الحضارات وانتقال قيم السلام والديمقراطية بين دول العالم، لأنه يكسر الحواجز الجغرافية والسياسية. إلا أنَّ جانبه المظلم غدا واضحاً صريحاً عندما استغله الأعداء لتحقيق أجندة خارجية، الغرض منها زعزعة الأمن وإثارة الفتنة في المملكة، تَخَلَّت المنصات الإعلامية عن قيم ومبادئ الإعلام، وأصبحت الضمائر فيها تباع وتشترى بالمال مقابل تحقيق غايات لمنظماتٍ دولية تريد اغتيال الاستقرار داخل بلادي. ولو نظرنا من حولنا بِتَمَعُّن لوجدنا مدناً تحترق، عائلات تهجر وتُشرَّد، شعوباً تعاني من موجة تطهير عرقي والعالم بإعلامه وحكوماته الغربية يتساءل: أين جمال خاشقجي..! عالم أعمى البصيرة، يتاجر بحياة البشر وبمبادئ الإنسانية من أجل تصفية الحسابات السياسية. عندما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة قال وهو واقفٌ بالحَزوَرَة: (والله، إنّكِ لأحَبّ البقاعِ إلى الله وأحبّ البقاع إليَّ، ولولا أني أُخرِجتُ منك ما خَرَجتُ). فما بالكم إن كان هذا الوطن هو غُرَّة جبينِ الأوطان، عِقد جيدِ البلدان، بلد التوحيد، مَهد الرِّسالة وموئل القرآن. نحن لا نعمل في الظلام، قناة الجزيرة، الإعلام الإيراني الصفوي وأذنابهم الذين يعملون لحسابهم في قنوات أوروبية وعربية ماهم إلا شرذمة جُبلت على تزييف الحقائق، خانوا ضمائرهم ليخدموا تلك الجهات التي أشرت إليها مقابل حفنة من المال.. ليس غريباً أن نرى الطامعين يتكالبون على نجاح المملكة، ويتمنون لها السقوط بعد أن بَدَأَت بتسجيل الامتيازات والنجاحات التي يشهد بها القاصي والداني، وكان لخادم الحرمين الشريفين نظرة ثاقبة في مستقبل المملكة ووجّه ولي العهد لتولي هذه الأمور مع رجال أوفياء أصحاب فكر وعلم وبصيرة، وكانت النتيجة جَلِيَّةً واضحة، فقد كرس البعض جهوده لتجنيد المرتزقة وعلى صوت الطبول الجوفاء في قنوات الحقد والضغينة، ثم أُوكِلَت المهمة إلى حزب الشيطان وهو خسران وهالك بحول الله. أنت يا وطني هدية الله للأرض، لك منا أقلام مخلصة وإعلام نير يبقى لحاسديك بالمرصاد درعاً واقياً شفافاً لا يعرف سوى وضع الحقائق لرد كيد الكائدين في نحورهم. وستبقى شامخاً أبياً رغم أنف الحاقدين ولك المجد والعزة طول الزمان.