ليس أجمل من البداية النشطة والقوية لأمانة مدينة جدة عندما بدأت جرافاتها هدم بعض أسوار البحر، وعلى أمل هدم باقي «سُور البحر العظيم»، وليس أجمل من كلمة الأمين الجديد صالح التركي الذي «كشف» بكل جرأة وشفافية عيوب وثقوب المدينة أو ما كان يسمى «عروس البحر الأحمر».. معدداً مشكلاتها وعدد مطباتها وحفرها ومناهلها وعشوائياتها ومستنقعاتها وأعداد مستعمرات بعوضها و«ضنكها» وذبابها وغربانها وأطلالها. وليس أجمل دائماً وفِي كل الأحوال من الاعتراف بالحقيقة، ووضع المشكلات على طاولة البحث والاستقصاء لوضع الحلول المناسبة والسريعة والدائمة... ومع كل هذه المشكلات التي تنوء بها مدينتنا الحبيبة جدة.. نسي معالي الأمين أن يذكر في كلمته ضمن ما ذكر، واحدة من أكبر المشكلات الصحية والبيئية التي تنخر جسد المدينة وتهدد إصحاحها البيئي وصحة قاطنيها. إنها «إمبراطورية الجرذان»، التي تغطي كل مساحات جدة وتسيطر على أحيائها، فالجرذان باتت منتشرة في كل أحياء جدة، قديمها وجديدها، شمالها وجنوبها، شرقها وغربها، لا فرق، تجدها تتجول بخيلاء في الأحياء الراقية كما الأحياء الفقيرة.. في الشوارع الرئيسية كما الشوارع الخلفية، في الحدائق كما حول براميل النفايات، في المستودعات والبقالات، وفِي المطاعم ومحلات الأرزاق. باختصار هي في كل مكان تعيش وتتنفس مثلنا وتتمشى على الكورنيش دون خوف أو وجل أو حتى إحساس بالخوف، ولا تخشى أحداً.. حتى القطط باتت تخشاها، كما نخشاها نحن، فأحجامها غير معقولة ومقاساتها ضخمة وأعدادها هائلة. لن أعددّ أضرار الجرذان الصحية والبيئية.. لكن يكفي القول -والكل يعرف ذلك- أنها تحمل وتنقل مرض «الطاعون»، الذي فتك بالآلاف قبل سنوات في الهند ودول أخرى.. إضافة إلى مرض «ليبتوسبيروسيس» القاتل عبر بولها. ولسنا بحاجة إلى إضافة المزيد من الأمراض، فيكفينا «حمى الضنك» و«كورونا» و«الجرب» و«حمى الخرمة».. إلخ! إن خطط المكافحة السابقة عبر الطعوم والمصائد في أماكن معينة لم تنجح، والدليل تزايد أعدادها وانتشارها في كل ركن، وربما ساهم القضاء على الغربان في انعدام التوازن البيئي -جزئياً- وفي تكاثر أعداد الجرذان بعد أن كان جزء منها طعاماً للغربان. إن المسألة تحتاج إلى دراسة شاملة وعامة، ولا مانع من الاستعانة بجهات أخرى كالجامعات والوزارات المعنية كالزراعة والصحة والأرصاد والبيئة، ووضع خطة للمكافحة الجذرية الشاملة، وأقترح التفكير بالخطة الصينية في هذا المجال والتي رصدت لمزارعي إحدى المدن مبلغاً مالياً مقابل كل فأر يتم اصطياده، إذ تسابق المزارعون في اصطياد أكبر عدد من الفئران ونجحت الخطة في القضاء على الفئران كلياً. أخيراً.. كعاشق لهذه المدينة الحالمة، أرجو -كما غيري- ألا أشاهد جرذاً في مفاصلها؛ لأنه من العيب أن تتجول الجرذان بكل خيلاء في تلافيف المدينة! [email protected]