في كل مرة يحتاج الشعب السعودي إلى أن يسمع شيئاً من قيادته حول الأوضاع السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، شيئاً يجلي التخرصات بنصاعة وجه الحقيقة، يظهر الأمير الهمام سمو ولي العهد في لقاء تلفزيوني أو صحفي ليوجه رسائل محددة في اتجاهات عدة يفهمها البسيط ويقرأها الحصيف.. أعمها وأشملها في رأيي قوله: «لا يهمني كيف ينظر العالم إليّ بقدر ما يهمني ما يصب في مصلحة البلد والشعب السعودي وأي أمر يخدم السعودية كشعب ودولة سأفعله بكل قوة، بغض النظر عن الانطباعات التي سيخلقها عني. إذا كان الأمر جيداً فشكراً هذا أمر رائع. أما إذا كان سيئاً فسأحاول توضيح نفسي. وإذا نجح ذلك، فهذا أمر طيب، أما إذا لم ينجح، فإنني سأفعل ما هو جيد لبلدي وشعبي». لم يتوقف إعجابي وأنا أقرأ حوار سمو ولي العهد في بلومبيرغ، الذي شمل اتجاهات عدة، أن أقول بلا شعور نحن نعيش حلماً سعودياً جديداً مع هذا الشاب الرائع كما عاشه أجدادنا مع جده العظيم الملك عبدالعزيز رحمه الله.. هذه الدقة في تقصي التفاصيل والإحاطة بها وبعضها بالأرقام والمنطقية في تسلسل الحقائق وربط التاريخ بالحاضر والمستقبل ومعرفة سموه بكل صغيرة وكبيرة في أي حوار.. سأتوقف بحسب مساحة المقال حول جزئية العلاقات السعودية الأمريكية التي وردت في الحوار لأقول باختصار إن أكثر الفرحين فيما لو توترت العلاقات التاريخية بين البلدين هم المتضررون من هذه العلاقات الإستراتيجية، ورأينا أنه عندما عمل أوباما وإدارته ضد الأجندة السعودية ولمصلحة إيران وحزب الإخوان كيف وقفت السعودية وحدها صامدة حتى أفشلت المشروعين الإيراني والإخواني معاً بينما توقع الشامتون والضعفاء أن تنهار السعودية لمجرد أن البيت الأبيض قرر أن يغير سياسته! مواقف كثيرة عبر التاريخ جسدت فيها السعودية مواقفها الثابتة بغض النظر إن تقاطعت مع رغبات أمريكا أو لم تتقاطع معها.. السعودية تنظر للأفعال لا الأقوال، خاصة إذا كانت هذه الأقوال مجرد آراء وليست أوامر أو تدخلا في شأن داخلي على الطريقة السويدية والألمانية سابقاً أو الكندية أخيراً، ولذلك عندما تغيرت أجندة الإدارة الأمريكية في عهد ترمب لتكون ضد إيران والجماعات الإرهابية التي تفتت وحدة وقرار الدول العربية تناغمت السعودية معها.. منزوعو السيادة والأخلاق والذين يتوسلون في بلاط الأمم شرقاً وغرباً ويعيشون تحت حماية قواعد عسكرية ثابتة تتحكم في أراضيهم وقراراتهم ومصائر شعوبهم وهم يمارسون الانبطاح للاعتراف أو الاهتمام بهم هم من يشنع على السعودية في أي لحظة توتر وهمي أو حقيقي مع الولاياتالمتحدةالأمريكية.. السعودية رفضت دائماً عرض الأمريكان بقواعد عسكرية ثابتة في أراضيها بينما قبل غيرهم بكل القواعد الأمريكية والروسية والتركية والإيرانية ! السعودية تشتري سلاحها من كل العالم وعندما رفض الأمريكان في فترة ما مدها ببعض الصواريخ استدارت بسرعة باتجاه الصين في صفقة تاريخية واشترت ودرب أطقمها لصواريخ «رياح الشرق»، السعودية لا تبيع حقوق العرب والمسلمين ولذلك عندما تقول لا فهي تعني لا والعالم يفهم أنها «لا» كبيرة بحجم قوة وتأثير هذه الدول العظمى! قالت حول القدس لا لكلينتون ولبوش ولأوباما ولترمب في الخفاء والعلن «لاؤنا» مختلفة بالتأكيد عن غيرنا لأننا نعنيها قولاً وفعلاً.. السعودية تملك قرارها واستثمارها النفطي من التنقيب والمنبع وحتى المصب بينما يبيع الآخرون حقولهم وثرواتهم للأجانب! السعودية تؤمن بالاستثمار والتعاون لمصلحتها ولمصلحة زبائنها شرقاً وغرباً وتتمتع بقاعدة عريضة من العلاقات العالمية والتجارية تمكنها في اللحظة التي تختار من تغيير مسارها وفق مصالحها هي لا مصالح غيرها.. وهي تشتري من السلاح والتقنية أثمنها كماً ونوعاً وبأموالها وليس بالمجان.. وهي تفعل ذلك لتشتري أمنها برجالها وأموالها لا بقواعد أو حماية أجنبية. وعندما عملت الإدارة الأمريكية ضد أجندتنا ذهبنا بكل ثقلنا الاقتصادي والعسكري للشرق لنقول للأمريكان من هناك هل ستغيرون من أجندتكم أم لا؟! كانت إجابة ترمب سريعة.. نعم سنغيرها لمصلحتنا جميعاً ووقعنا اتفاقيات تجارية واستثمارية لشراء الأسلحة وتصنيعها ونقل التكنولوجيا لبلادنا لمدة 10 سنوات وبمبلغ هو في الحقيقة يمثل مشترواتنا السنوية أصلاً من أمريكا ولكننا قمنا بتجميع هذا الاستثمار الذي بلغ أكثر من 400 مليار، وهو لا يشكل أكثر من 30% من استثماراتنا المتوقعة للعشر السنوات القادمة لنبلغ الأمريكان قبل غيرهم ما هو حجمنا وما هو ثقلنا وكم ستخسرون من الاستثمارات والمشتروات لو قررنا تغيير اتجاهنا! البعض من العرب والأمريكان السذج تصوروا أن طائرات ترمب حملت تلك الأموال معها إلى الإدارة الأمريكية ولذلك ظهرت أصوات أمريكية تقول لترمب تحديداً إن السعوديين لم يعطوك شيئاً بل هم يمارسون نفس العمل الذي مارسوه مع الإدارات الأمريكية السابقة هم يقولون له إن السعوديين حسنوا شروطهم فقط لشراء الأسلحة ونقل التكنولوجيا بمبلغ 40 مليار دولار سنوياً، وهو كما قلت المبلغ الذي تدفعه دولة طامحة لشراء الأسلحة والتكنولوجيا والبضائع الأمريكية وتدفع مثله أو أكثر في مناطق أخرى من العالم! ولذلك يخوض ترمب حرباً داخلية مع كل المنتقدين لسياساته الخارجية مع شركاء عظام كالسعودية مثل الصين والاتحاد الأوروبي والكوريتين واليابان، وهو بطريقته التي تناسب منتخبيه يبدي آراءه الخاصة غير الملزمة للآخرين قطعا، بينما الحاقدون ومنزوعو السيادة والقرار يتكلمون عن أموال حملها ترمب في طائرته حقداً وحسداً من استطاعة السياسة السعودية تطويع السياسة الأمريكية بعد انقلاب أجندتها لثماني سنوات في عهد سيئ الذكر أوباما.. ولذلك سيبقى ترمب صديقنا متى ما كانت سياسته على الأرض تتفق مع مصالحنا وأهدافنا الإستراتيجية في الأمن والتنمية، وإذا تغيرت الأفعال فللسعودية العظمى ألف باب وباب. * كاتب سعودي dr_maas1010@