سفيان هو الاسم الإسلامي، وديريك ريتشارد بيليل (Dirk Richard Pleil) هو الاسم المسيحي، سفيان -كما يحب مناداته بهذا الاسم- شاب ألماني أحد ضحايا بروباغندا «داعش» في أوروبا، اعتنق الإسلام عام 2010 بعد أن عاش مع عائلة مسيحية متطرفة. ولد ديريك (36 عاما) في مدينة شتوتغارت، وانتقل إلى مدينة مجاورة صغيرة يعمل في ديسكو بمزج الكحول خلال عطلة نهاية الأسبوع، بينما عمله الأساسي صناعة الأحذية الطبية، وبعد زواجه رحل إلى مدينة دويسبورغ، في هذه المدينة اعتنق الإسلام وهو في ال28 من عمره. قصة إسلام ديريك كانت من الديسكو، عندما التقى شابا مسلما من البوسنة وطلب منه ألا يضع الصليب في عنقه، حينها دار جدل بينه وبين الشاب البوسني عن الإسلام، بعد ذلك قرر الذهاب إلى منزل الشاب البوسني ووجد عنده القرآن، ودار بينهما حديث عن الإسلام، كان هذا الحديث بداية الأسئلة المفتوحة عن حقيقة الدين الإسلامي.. خلال تفكيره باعتناق الإسلام، كان أحد معارفه من الألمان قد سبقه واعتنق الإسلام، حينها دخل في الجالية المسلمة التي كانت تسأل عنه بشكل دائم.. أحب ديريك السلوكيات الإسلامية وقرر أن يقرأ ويسأل عن الإسلام، ووجد فيه -حسب قوله- الاستقرار النفسي.. لكن سرعان ما دخل ديريك في الأحاديث الجهادية وقراءة الكتب المتطرفة ليجد نفسه أمام حديث الرايات السوداء في بلاد الشام.. حينها قرر الذهاب إلى سورية. رفض ديريك الحديث عن الأشخاص الذين نسق معهم للذهاب إلى مدينة الرقة، لم يدلِ بأية معلومة عن الأشخاص الذين اقتادوه وساعدوه للوصول إلى الرقة.. ثمة أمر يخيف ديريك من العودة إلى ألمانيا، ذلك أنه قال في ثنايا الحديث ثمة تهديدات تلاحقني ولا أريد التحدث عن مزيد عن حياتي في الرقة. فإلى تفاصيل حياة ديريك في سورية: • ما هي دوافعك للذهاب إلى سورية؟ •• حين اعتنقت الإسلام، تأثرت بكل ما يتم نقله لي، وحين بدأت الأزمة السورية سمعت من الجميع أنه على كل مسلم الذهاب إلى أرض الشام، كانت الدعاية قوية في ألمانيا، وأحسست أن وجودي في ألمانيا خطأ، باعتبار أن على الجميع الذهاب إلى سورية.. وحينها قررت الذهاب. • أين كنت تقاتل في سورية؟ •• لم أكن مقاتلا في «داعش»، وإنما كنت أعمل في مهنتي حين كنت في مدينة الرقة، فهم كانوا يحتاجون مثل هذه المهن. • عندما أتيت إلى سورية ما هي خريطة طريقك؟ •• أتيت من ألمانيا إلى بلجيكا بالسيارة، ومن بلجيكا إلى لوكسمبورغ، هذا كله في يوم واحد، وفي الليل وبعد ذلك اتجهت إلى فرنسا، فإيطاليا لمدة 3 أيام أمضيتها في الفندق، منتظرا جواز السفر، حيث كانت لدي مشكلة، وبعد ذلك إلى ميلانو ومن ثم إلى إسطنبول.. بعدها إلى الحدود السورية التركية إلى مدينة كلس بالتحديد. • هل كنت تنسق مع أحد في سورية؟ •• والله العظيم، لم ينتظرني أي أحد ولم أكن أعرف حتى سائق التاكسي الذي نقلني إلى الحدود. • هل أخبرت زوجتك أنك ستذهب إلى سورية؟ •• وأنا في الطريق في ميلانو، حسبما أتذكر اتصلت بها وأخبرتها بالطلاق، واتجهت إلى سورية. • عندما ذهبت للرقة ما الذي فعلته؟ •• لم أكن حرا بقراري.. دخلت سورية ومن ثم ذهبت إلى الباب وبقيت لعدة أيام في مدرسة، وجاءت مجموعة أمنية تتحقق مني، وأخذوا جواز سفري وفتشوا حقيبتي، وبعد ذلك اقتادوني إلى الرقة، حين وصلنا إلى مدينة الطبقة إحدى المدن المهمة بالنسبة للتنظيم، خضعنا لدورات عسكرية من قبل عراقيين لمدة شهر، كيفية القتال وكيفية استخدام الأسلحة، وبعد ذلك إلى معسكر يسمى المعسكر الشرعي، ثم حولنا إلى كتائب أجنبية (مهاجرة) وكتائب محلية (أنصار). • هل عدد الألمان كبير في «داعش»؟ •• بالتأكيد كان هناك العديد من الألمان، وكنت أرى دائما أبو طلحة الألماني صاحب أغاني الراب في ألمانيا، كان يعيش في الرقة وكان عمله فقط الأغاني والشهرة، وكان «داعش» يستغله لجذب المهاجرين.. يقال إنه شاب مميز في صناعة الإعلام للتنظيم. • هل تزوجت في سورية؟ •• نعم تزوجت فتاة سورية من إدلب رأيتها في مضافات التنظيم في الرقة، وتزوجتها وأنجبت منها طفلا اسمه إبراهيم. • هل تتواصل مع والدتك؟ •• نعم، في الحقيقة ساعدوني في السجن على التواصل مع أهلي من خلال الصليب الأحمر، فقد أعطوني صورا من الصليب الأحمر لزوجتي ولابني ولوالدتي. • كيف كانت الحياة في الرقة؟ •• كانت حياة قبل الحملة على مدينة الرقة، هادئة وجيدة نعمل ونتعامل مع الناس بشكل جيد وطبيعي، لم تكن هناك مشكلات، لكن حين بدأت الحرب تحولت المدينة إلى حالة من الرعب، خوف من كل شيء، انعدمت الثقة بين التنظيم، ومنعوا المغادرة على الإطلاق، كل شيء تغير إلى أن سقطت الرقة بيد قوات سورية الديموقراطية. • إذا ذهبت لألمانيا ما الذي ستقوله لحكومتك؟ •• سأقول لهم إنني لست خطرا ولن أؤذي أي أحد، فقط أريد قبلة لأمي وأبي وإعطاء زوجتي وطفلي كل ما يريدون، وأريد أيضا أن أتعلم كيف أصنع أطرافا صناعية للذين تقطع أقدامهم، وأريد إكمال دراسة الماجستير في هذه المهنة، أريد أن أمارس ديني بعيدا عن التطرف، فإنا لم أقتل أحدا أبدا.. ربما لا أحد يصدقني لكن هذه الحقيقة كنت منهمكا في عمل الأطراف الصناعية فقط. • كيف وقعت في أسر قوات سوريا الديموقراطية؟ •• حين ذهبنا إلى الميادين في دير الزور، إثر سقوط مدينة الرقة، مكثنا مدة، وبدأت الاضطرابات أيضا في المدينة، وانسحب التنظيم وحدثت معارك بسيطة وسيطرت قوات النظام السوري، قبل ذلك كنت قد تواصلت مع أمي في ألمانيا لترسل لي مالا كي أهرب إلى مناطق سيطرة الأكراد، وبالفعل دفعت للمهرب مبلغا من المال وتمكنا من الهرب من المدينة (الميادين) إلى الشدادي، وسلمنا أنفسنا لقوات سوريا الديموقراطية.. كانت حياتي مثل الحلم في سورية، لا أستطيع أن أسترجع ذاكرتي.. ماذا فعلت؟. تتشابه كل روايات الدواعش الأوروبيين في مسار الطرق، وفي التنقل من مدينة إلى أخرى ما يشير إلى أن ثمة عقلا أمنيا يقود هؤلاء إلى المحرقة في سورية ومن ثم يقعون تحت تأثير التنظيم. فقصة الألماني يونس سوسام، وهو من أصول تركية تتشابه مع قصة ديريك، إذ تنقل يونس من دولة إلى أخرى إلى أن وصل إلى إسطنبول، ومن ثم التوجه إلى مدينة الريحانية على الحدود السورية التركية وبعدها الانتقال إلى إدلب، ومن ثم إلى مناطق سيطرة «داعش». يونس، كان مدفوعا من والدته ووالده في ألمانيا، كانا دائما يقولان له لماذا أنت هنا؟ اذهب وجاهد في سورية! وبالفعل ترك يونس أسرته واتجه إلى سورية وكان في مدينة الرقة أيضا. يونس تحدث عن الصراعات والانقسامات داخل تنظيم داعش في الرقة، مشيرا إلى أنه في كل حرب يتصدع التنظيم وتدب الفوضى في صفوفه، مشيرا إلى مجموعة مستفيدة من تنظيم داعش هي من تقود التنظيم، وغالبا ما تكون هذه الطبقة مستفيدة ماديا، لافتا إلى أن معظم المهاجرين الأوروبيين، حين يأتون يتم فرض رقابة صارمة عليهم من قبل التنظيم حتى لا يغادروا، كونهم يصطدمون بالواقع الذي يعيشه التنظيم، وحجم الكذب في دعاية التنظيم التي تستهدف الشباب في الدول الأوروبية. ويؤكد يونس، أنه في العالم العربي لا يوجد تأثير على الشباب المسلم، كما هو الحال في أوروبا، ففي أوروبا تغيب التوعية الحكومية بخطورة التنظيم، بينما ينشط التنظيم عبر وسائل التواصل الاجتماعي واليوتيوب، وهذا ما جعل العديد من الشباب يلتحقون بالتنظيم.. أضف إلى ذلك أن حالة الكراهية من بعض التيارات اليمينية للإسلام تغذي التطرف لدى الشباب.. لكن هذه الطرق للأسف من أسوأ الطرق، و«داعش» ليس الطريق الصحيح للإسلام ولا الجهاد أيضا. الفرنسيون يتصدرون مخيمات داعش أكدت إحدى النساء من وحدات حماية الشعب، القائمات على مخيم روج الشهير للدواعش، أن أغلبية العائلات المقيمة في المخيم من أوروبا، وخصوصا من فرنسا التي ترفض حتى الآن عودة مواطنيها الملتحقين ب«داعش» بقرار سيادي. وقد أثار رفض فرنسا عودة مقاتليها إلى بلادهم استياء الإدارة الذاتية في شمال شرق سورية، ذلك أن مصير هؤلاء مع عائلاتهم وأطفالهم الذين يكبرون سيكون معضلة، إذ إن المحاكم قد تصدر أحكاما على جنسيات ليست سورية وهي سابقة جديدة في سورية. وعلى عكس ما يشاع في وسائل الإعلام الفرنسية، من أن مقاتلي تنظيم داعش تعود عائلاتهم إلى أصول عربية، أشار أكثر من مصدر ل«عكاظ» إلى أن العائلات ذات الأصول العربية وتحمل الجنسية الفرنسية قليلة، بالمقارنة مع الفرنسيين الأصليين. ويقول أحد المعتقلين السابقين من تنظيم داعش في تصريح ل«عكاظ» إن العائلات الفرنسية هي العائلات الأكثر عددا من بين العائلات الداعشية الأخرى، لافتا إلى أن المقاتل الفرنسي يأتي مع عائلته إلى مناطق التنظيم. ويضيف: هؤلاء «المهاجرون» الفرنسيون يضربون طوقا من العزلة على أنفسهم بمجرد دخولهم مناطق التنظيم، إذ يجمعون أنفسهم في مناطق سكنية ويمارسون حياتهم بشكل منعزل. اللافت في أمر المهاجرات الفرنسيات أن نسبة كبيرة منهن يأتين إلى سورية فتيات أو مطلقات ويعشن لوحدهن فيما يعرف بالمضافات النسائية التابعة للتنظيم. ويكشف أحد المتزوجين من مهاجرة فرنسية، أن صديق إحدى الداعشيات الفرنسيات كان يرسل لها المال من فرنسا، بينما هي تعيش في مدينة البوكمال، وحاولت هذه الداعشية جلب صديقها السابق إلى أراضي التنظيم لكنها لم تفلح بسبب خوف صديقها -كونه غير مسلم- ما دفعها للزواج من أحد العراقيين القياديين.. كانت هذه الحالة واحدة من عشرات الحالات من الفرنسيات الدواعش. ورغم أن العائلات الفرنسية ناشدت وحتى الآن حكوماتها بالعودة، إلا أن القرار الفرنسي كان حازما بعدم عودتهم، خوفا من تنامي موجة الدواعش في فرنسا، أو ما يسمى «الذئاب المنفردة». كيف يعيش أطفال «داعش» الخاسر الأكبر من ظاهرة «داعش» هم أطفالهم، ففي ذلك المخيم (روج) المعزول عن الحياة - نظرا إلى الظروف الأمنية- يعيش أطفال من كافة الجنسيات ومن كل الألوان (أسمر - أبيض - أصفر) إنهم ينتمون إلى 42 دولة، حملتهم مغامرات آبائهم إلى تلك البقعة البعيدة شمال سورية. يوميات هؤلاء الأطفال (أبناء الدواعش)، تختلف عن كل أساليب الحياة الطبيعية، فهم فقط يأكلون ويشربون بالحد الأدنى من مساعدات تقدمها جمعية بلوموند، وتحفهم ظروف معيشية صعبة بلا آباء. لا يعرف هؤلاء الأطفال لماذا هم هنا في عمق الصحراء، كل ما يعرفونه أنهم يعيشون بشكل مختلف عن أطفال العالم، قذفتهم دولة البغدادي المزعومة إلى المجهول، ضاعت أحلامهم بين شاحنات التهريب حين اشتعلت الحرب ضد التنظيم، وبين مخيمات تفتقر لأبسط مقومات الحياة. كان اللقاء بهؤلاء الأطفال ممنوعا نظرا إلى الظروف الإنسانية وخشية ظهورهم على وسائل الإعلام، لكننا شاهدنا هؤلاء الأطفال يهربون من خيمهم الساخنة إلى الساحات في منتصف الظهيرة يلهون ويلعبون تحت درجة حرارة 40 درجة، أما آباؤهم فبعد أن جنوا على مستقبلهم أضحوا في السجون بلا مستقبل وبلا بوصلة، انتهت الحياة لدى هؤلاء الأطفال بعد أن صدق الآباء كذبة دولة الخلافة التي انهارت فوق رأس البغدادي وكل من قاتل تحت رايتها. تقول إحدى أمهات الأطفال في مخيم روج، كل أوقاتنا في هذه الخيم البسيطة مع أطفالنا نجيب عن أصعب الأسئلة «لماذا نحن هنا».. وهل هذه منازلنا، مضيفة أن مثل هذه الأسئلة تصيبنا بالإحباط وتجعلنا نراجع كل هذه الأخطاء بعد أن فات الأوان. حتى المدارس، لا أحد يعرف إن كان هؤلاء سيذهبون إلى مدارس أم لا، فهم ينتمون إلى أكثر من لغة وأية مدرسة يمكن أن يذهبوا إليها، إنهم أمام حياة جاهلية بلا تعليم مادام الوضع كما هو عليه. ورغم كل هذه المأساة لأطفال ليس لهم ذنب إلا أن من أنجبهم انتسب إلى فكر إرهابي ضال، تتهرب الدول من أطفالها بحجة أنهم من بطون إرهابية.. ولكن قد يتحول هذا الطفل إلى إرهابي من نوع آخر، مادام يفتقر إلى كل مقومات الحياة.