بينما كنت أقرأ تقريرا عن الإصابات التي تعرض لها الأطفال في اليمن بسبب الحرب الدائرة منذ 4 سنوات، أذاعت محطة تلفزيون غربية تقريرا مصورا عن أخبار الحرب التي خدعنا العالم بأنها انتهت في أفغانستان، فعرضت لقطات لمجموعة من الأطفال الذين فقدوا أعضاء من أجسادهم النحيلة، وهذه الحالات هي التي ستشكل الفاجعة الكبرى في الأوطان التي دمرتها الصراعات الداخلية فيكون الأطفال هم أول ضحاياها، وتتناول التقارير التي تصدرها عدد من المنظمات الحقوقية الانتهاكات الجسدية التي يتعرض لها الأطفال اليمنيون جراء الحروب الأهلية واستخدامهم عنوة كوقود سهل الانقياد في مقدمة الصفوف، ولا بد من انعدام الرادع الأخلاقي لدى القادة الذين يستغلون حالات الفقر والعوز كثيرا والترهيب بالعقاب لحشد صغار السن وإرسالهم إلى جحيم الحرب التي نادرا ما يعودون منها إلى أهلهم. ليست الحرب اليمنية استثناء من الشواهد التي تابعنا آثارها في بلدان استمرت فيها الحروب الأهلية سنوات طويلة أنهكت القوى الرئيسية، ما دفعها لتجنيد صغار السن الذين أنهكت أسرهم لفترات طويلة من الدمار ما أجبرها على دفع أطفالها بحثا عن تأمين لقمة عيش ولو مؤقتا، ورغم تزايد الضحايا إلا أن هذه العملية لا تتوقف عند حد وتستمر طالما امتد زمن الحرب، ولكن ما يغيب عن الكثيرين هو التحقق من الدمار النفسي الذي يصيب الناجين من الموت المحتوم ولكنه حتما سيعيش مستقبلا شديد الظلمة. بعد ستة أشهر من بدء الحرب اليمنية شاركت في ندوة أقامتها مؤسسة مرموقة للدراسات في عاصمة خليجية، وكان الحوار يدور تحت انطباع أنها حرب لن تزيد على السنة في أكثر الاحتمالات تشاؤما، وكانت كلمتي أن أي حرب لا بد أن تنتهي بعد زمن قد يطول أو يقصر، لكن تبعاتها لا يمكن حسابها بمقياس النصر العسكري المجرد بل يكون الأهم هو التفكير بما يجب القيام به عند توقفها، وذكرت أن الكم غير المعروفة أعداده من الأسلحة التي تم توزيعها منذ بدايات الصراع الدامي صار أغلبها في أيدي شباب صغار استخدموه للدفاع عن مناطقهم ضد الميليشيات الحوثية، ولكن الغياب المستمر لأي سلطة شرعية عن الأرض سيجعل استعادة هذه المعدات منهم قضية غاية في التعقيد، وليس ذلك فقط بل إن عدم الإسراع في تنفيذ مشاريع لتشغيل الشباب خصوصا في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية سيكون معوقا خطرا في استقرار الأوضاع فيها وهي بيئة خصبة للجماعات الإرهابية التي تنمو في هذه الأوضاع. يبقى الدمار النفسي والتمزق المجتمعي هما الأكثر صعوبة في تجاوزهما بعد أن تضع الحروب الأهلية أوزارها، وفي الحالة اليمنية تتسابق بعض الأطراف المحلية لتجذيرهما مستخدمة المتاح من وسائل الإعلام وعبر منظمات تحمل شعارات الدفاع عن حقوق الإنسان الجامع بين أغلبها الرغبة في الحصول على مكاسب مادية دون قناعة بالقضية نفسها، وهو ما أصاب الجمعيات الجادة في مقتل، فصارت كلها في دائرة الشك، وما عاد المتضررون يرون في تقاريرها وندواتها ما يستفيدون منه معنويا، بل إن القائمين عليها صاروا يتسابقون في عواصم العالم لتبادل الاتهامات وتوسل الحصول على تأشيرات تمتنع أغلب الحكومات عن منحها خشية عدم عودة طالبيها إلى بلدانهم. الحروب الأهلية لا يمكن لها إنجاز مشروع وطني جامع، بل إنها مع انتشار وسائل التواصل فائقة السرعة تتحول إلى ساحات سباق للحصول على مغانم لأفراد بعينهم ويغيب عن هؤلاء أنهم لن يجدوا وطنا يتسع لأجيال دمرها الجشع. * كاتب يمني وسفير سابق