كانت منطقة المشرق العربي تتعرض دائماً لأطماع وغزوات الأقوام المجاورة منذ آلاف السنين، فغزاها الفرس والروم والبيزنطيون والسلاجقة الأتراك والمغول والعثمانيون الأتراك والبريطانيون والفرنسيون في العصر الحديث. كانت ولا تزال الأطماع الخارجية سبباً رئيسياً في نشوب الصراعات وتراجع التقدم الصناعي والفكري في منطقة المشرق العربي، فَلَو راجعنا التاريخ لوجدنا أن من أهم الأسباب التي أدت إلى انهيار الدولة العباسية هي أن الأتراك والفُرس لعبوا دوراً خبيثاً في تضعيف الدولة، إذ يرى مؤرخون أن تولّى زمام الأمور قادة من غير العرب (الفرس والأتراك) تسبب في الانحلال والتفكك في كيان الدولة العباسية وأدى إلى انهيارها. كان الأتراك يطمحون للوصول إلى سدة الحكم من خلال السيطرة على الجيوش العربية، ومع تعاظم قوّة القادة الأتراك أصبحوا يملكون زمام الحكم، بينما كان الفُرس يعملون على نشر الأفكار والفرق التي تعادي وتحرض على وحدة الدولة، فعلى إثر ذلك تشجع التتار على غزو المشرق العربي وهدم البنيان وحرق العلم وارتكاب مجازر مروعة بحق العرب دون أن يدخل الأتراك والفرس في مواجهة قوية لصد التتار من ارتكاب تلك الجرائم. ومن خلال هذا السرد السريع يتضح لنا أن للأتراك والفُرس أطماعاً توسعية ومعادية للعنصر العربي، فقد أسس الأتراك دولتهم السلجوقية على حساب الدولة العربية لكي تصبح فيما بعد الدولة العثمانية، وانتشر في عهدهم الانحلال والانقسام والفرق التكفيرية والنعرات الطائفية. ومنذ ظهور الفرقة الباطنية (الحشاشون كما وصفهم الرحال الإيطالي، ماركو بولو) ذات النهج الفارسي، واعتمادها نشر الفوضى والقتل والتشريد لخدمة مشروعها الفارسي التوسعي، بلباس الدين الذي تم تفصيله حسب مقاسات العقلية الفارسية في فترة ضعف الدولة العباسية واستقواء الحكم السلجوقي على العرب، اتخذ الفرس والأتراك مقولة «حسن الصباح» زعيم هذه الفرقة الضالة التي تعاني منطقة المشرق العربي لغاية اليوم من أفكارها الإرهابية، والتي يقول فيها: «إذا أردت أن تمتطي صهوة الحكم في بلاد العرب، فعليك أن تلبس ثوب الواعظين وتتحزم بسيف قاطع». ومن ثم جاءت فترة حكم العصملي لكي يمارس الأتراك الظلم والاضطهاد بحق العرب، فتشجع الفرس وظهر شاه إسماعيل الصفوي في إيران ليؤسس لإمبراطورتيته الفارسية بجوار الإمبراطورية العصملية، ويستفردوا بالعنصر العربي ونهب ثرواته. ولو أردنا عرض مقارنة سرعة بين المشروع التركي والفارسي في العصر الحديث لوجدنا مشتركات عديدة منها أن الفرس أقدموا على احتلال الأحواز العربية وتبلغ مساحتها 375 ألف كم2 في 25 أبريل 1925م بإيعاز مباشر من بريطانيا، كما أقدموا فِي 30 نوفمبر من عام 1971م على احتلال الجزر الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى)، أما الأتراك فقد احتلوا لواء إسكندرون العربي أو ما يعرف اليوم بمحافظة «هتاي» وتبلغ مساحته 5678 كم2 في عام 1939م وبإيعاز مباشر من الانتداب الفرنسي. الفرس مارسوا الاضطهاد والتنكيل والتهجير والتفريس بحق أبناء الأحواز، بالمقابل مارس الأتراك الفعل ذاته، فقد نزح عدد كبير من العرب السوريين من لواء إسكندرون بعد أسابيع قليلة من انسحاب القوات الفرنسية واحتلال اللواء من قبل الأتراك، بسبب عمليات التطهير العرقي التي مارسها الأتراك بحق العرب في الأيام الأولى من الاحتلال وتم تتريك ما تبقى من السكان. ومن جانب المنهاج الفكرية فقد اتخذ الفرس من الإسلام لباساً لهم للوصول إلى مشروعهم التوسعي في المنطقة، فقاموا بالترويج لفكرة ولاية الفقيه المطلقة وضرورة تصدير الثورة، بينما الأتراك اتخذوا من الصوفية منهجاً لهم في الوصول إلى حلمهم السابق ونصبوا أردوغان سلطاناً على المسلمين. واليوم نجد أن الفرس يدعمون الميليشيات المسلحة الخارجة عن القانون بالمال والسلاح لزعزعة أمن واستقرار الدول العربية وتجد الأتراك يلعبون الدور نفسه؛ إذ يستضيفون قادة الحوثي على أراضيهم ويسمحون لهم برفع شعارات وصور معادية للقادة العرب في شوارعهم بتركيا. خلاصة القول لا فرق بين الفارسي والتركي، فكلاهما يكنان العداء لأمة العرب ولديهما نظرة استعلائية ضد العرب ويطمحان في السيطرة على المشرق العربي لأسباب عديدة أبرزها الثروات الهائلة التي تتمتع بها المنطقة. ولا يتعاطف مع الفرس والأتراك إلا المتحزبون الذين يدينون دائماً لغير العرب، وخير مثال على ذلك جماعة الإخوان الذين يتعاطفون مع مشاريع أردوغان وولي الفقيه على حساب أمن واستقرار وسيادة دول المشرق العربي.