رائعة ومدهشة واستثنائية تلك الأماكن التي تحتفل بالجمال ومعانيه ودلالاته، والأروع تلك التي تعيشه في كل تفاصيل حياتها، في كل فصولها ومواسمها. إنها أماكن عبقرية عندما ترفع راية الجمال شعاراً لها في كل الظروف والمناسبات، وتتحدى به الزمن وتقلباته، لا تتخلى عنه أبداً حتى لو حزنت أو مستها العوادي أو غشتها مسحة حزن في وقت ما. إنها تقاوم بالجمال والجمال وحده، كما يفعل الفلاسفة الذين آمنوا به كأفضل أسلوب لمحو كل ما هو كئيب في الحياة والإبقاء على البهجة والدهشة والفرح. منطقة «جازان» دشنت مساء الأربعاء أول مهرجان ل «الفل»، حسناً ما الجديد في الأمر. في الواقع لا جديد سوى ضخامة الاحتفالية وطابعها الكرنفالي وشمولية المشاركة فيها والأفكار المثيرة التي تضمنها المهرجان، وما عدا ذلك لا يزيد عن استحضار وتأكيد العلاقة الأزلية الأسطورية لجازان مع الفل، وللفل مع جازان. جازان والفل ثنائية أبدية الطابع، تشحب وتحزن جازان سريعاً بلا فل، والفل لا يشعر بقيمة جماله وسطوته بلا جازان. الفل هو العامل المشترك الأعظم في كل تفاصيل جازان، سهلاً وبحراً وجبلاً وساحلاً وأوديةً ومدناً وقرى، هو التميمة التي يرددها الشاعر والناثر والمزارع والبحار والشيخ والصبي والفتاة والعجوز، في البيوت والحقول، في الصباحات والعصاري والمساءات والليالي التي لا يوجد فيها مرسول أمين على المشاعر سوى الفل. بالإمكان أن يختلف أهل جازان على أي شيء عدا الفل، هو سر التصالح مع الحياة بكل ما فيها. الجازاني إذا امتشق عصابة فل ودندن بأغنية فإنه يؤكد أن الدنيا ملك يديه مهما كانت أحواله، والجازانية عندما يتمخطر الفل على شعرها وجيدها ونحرها وصدرها فإنها أجمل من آلهات الجمال في كل ميثيلوجيا الأزمان والعصور. هو سره وسرها، وهو الشفرة التي لا يجيد فك رموزها غيره وغيرها. إذا كانت جازان ستدخل موسوعة غينيس بأطول عقد فل في هذا المهرجان فهي قد دخلت التاريخ سابقاً من بوابات عديدة، ومنها بوابة الفل. وإذا كنتُ يا جازان قد تأخرتُ عن موعد الفل معك هذه المرة، فأنت تعرفين جيداً ومؤكداً أنك أجمل وأبهى «رديمة» تمطرني بعطر الحياة.