حاولتُ أجراء حوار مع الرائد المسرحي الراحل محمد العثيم، ولم يسعفه الوقت أن يتحدث معي طويلاً لاشتداد مرضه، وكنت حينها أتحاشى الضغط عليه، فاضطررت أن أجريه معه على دفعات، وتوفي أمس (السبت) دون أن أكمل معه بقية الحوار، وهنا جزء من حوار طويل لم يكتمل ننشره تزامناً مع رحيل قامة ثقافية، وهذا نصه: • إلى ماذا تحتاج الثقافة حالياً؟ •• نحن بحاجة إلى بنيات أساسية بدءاً من تهيئة أماكن شعبية صالحة لاجتماع وحضور الجمهور، والتركيز على الأكاديميا والتدريب بدل الاجتهادات الشخصية، وتشجيع الإنتاج النوعي من المسرح لتنظيف الساحة من الرديء الرخيص، وإرسال بعثات للتأهيل في المسرح والدراما، واستقطاب طاقات عربية وإعطائها الفرصة للعمل في الجامعات لتنمية جيل جديد. • هل يعاني المسرح، وتمر الدراما بأزمة نصوص؟ •• إن كان السؤال عاماً فنحن لا نعاني من أزمة نصوص، ولن نكون كذلك، المهم أن نعتني بالنص النوعي الذي يستند لمرجعية ثقافية، وأفضل النصوص ما يستوحى من عمل نخبوي ليصل للمتلقي العادي، ولن نكون في أزمة نصوص لكن الأزمة في كيفية جعل الكاتب يتحمس للعمل على النصوص فالجدوى متدنية في الوضع الحالي. • كيف ترى جهود جمعية الثقافة؟ •• هم يقومون بجهد لكن مواردهم ليست بحجم وطول وعرض تنوع الثقافة السعودية، صحيح لديهم حماس لكن تعوقه قلة الموارد ومحدوديتها، وموضوع الثقافة موضوع وطني أكبر من قدرة الجمعية الحالية، وللعلم كبرت الثقافة على حساب عمل الجمعية، ورغم حرص الجمعية على النوعية إلا أن القطاع الخاص يرمي ما هب ودب في حوض الثقافة البصرية والرؤية. • ما موقف المجتمع من المسرح؟ •• المجتمع غير مهتم، لكن الأيديولوجي كالعادة يحارب ويجابه المسرح بعنف، لا نلوم المجتمع لعدم الاهتمام لكن عندما تأتي أعمال جيدة ويؤديها ممثلون مميزون ستمتلئ المسارح، لكن المسرح لم يتشكل بعد كنظام ثقافي بسبب قطع العروض وموسميتها، وعدم وجود استثمار سليم في الصناعة أو أماكن معروفة يرتادها الناس، ورغم الجماهيرية إلا أن المسرح لم يقم كمؤسسة ثقافية، فالمسرح لا يزال نشاط دوائر واجتهادات أفراد. • ممَّ تخشى على الثقافة عموماً والمسرح خصوصاً؟ •• أخشى من السطحية الاستهلاكية التي فرضت نفسها، وكان من الأولى أن توازن بين الاستهلاكي وأعمال ثقافية نوعية، لكن هذا لم يحدث، فتسلط المهرج على القيمة الثقافية، وتراجع الفكر في الفن، وكالعادة طردت العملة الرديئة العملة الجيدة. • إلى ماذا تتطلع اليوم في ظل قيام وزارة وهيئة عامة للثقافة؟ •• تصور بسيط، طوروا جمعية الفنون والحقوا بها الأندية الأدبية وادعموها بميزانيات كافية؛ لأنها الأدرى بالفنون والأكثر فروعاً. .. ومسرحيون: أسس للمسرح الأسطوري استعاد مسرحيون بكثير من وجع الفقد سيرة الراحل محمد العثيم، وزخرت مواقع التواصل بالثناء العطر على فقيد المسرح من تلاميذ ومحبين وزملاء ومثقفين، مستعيدين بعض الذكريات مع الفقيد وأبرز خصائص شخصيته العلمية والمعرفية والفنية، كونه من آباء «أبو الفنون» في المملكة. وغالب الكاتب الدكتور عبدالله الكعيد حزنه وهو يروي حكاية صداقة تمتد لأربعة عقود مع الراحل، ويرى أن العثيم جمع بين الأكاديمية والحالة الفنية والرؤية التقدمية لمعالجة الواقع من خلال استعادة الحكاية بحس أسطوري. وأوضح الكاتب والمخرج المسرحي فهد ردة أن العثيم أسس وقدم للمسرح مشروعاً اشتغل فيه على الأسطورة والطقس والشعبيات، وكان مجيداً للتنظير لمشروعه ومتقناً لاشتغاله، مشيراً إلى أنه من الصعوبة بمكان أن تختصر تاريخ فقيد الأدب والمسرح في بضعة أسطر لرجل عمل في كتابة الإبداع نصّاً ونقداً ودراسات وبحوثاً وندوات وورشاً. وقال المسرحي صالح زمانان: فجعنا بفقد ركن مسرحي وثقافي، كان أستاذاً لأكثرنا، وطليعياً مجدداً لعوالم الأسطورة والطقس في الكتابة المسرحية، شرّفنا في الكثير من المحافل والمهرجانات العربية، لقد كان قامة وقيمة، وستظل مسرحياته وآراؤه وغنائياته الشعرية مرجعاً جمالياً، وسيرة مشرفة ورفيعة في مكتبة المسرح السعودي، ومكتبة الغناء الخليجي. لقد عرفته على المستوى الشخصي، كأستاذ وصديق، وأشهد أنه نعم الرجل والأخلاق، ونعم المثقف الرصين والثقيل، انشغل بهموم المسرح وموضوعات القراءة والتراث والكتابة، منزهاً ذاته عن النزالات الصغيرة، وإشكالات الوسط الشخصية. ويذهب المسرحي نايف البقمي إلى أن خبر وفاة الكاتب المسرحي الكبير محمد العثيم كان فاجعة لكل المسرحيين، مشيراً إلى أن آخر لقاء بينهم كان في حفل تكريمه وتدشين الأعمال الكاملة له الذي قام به أدبي الطائف قبل شهرين بجمعية الثقافة والفنون بالرياض نظراً لعدم قدرته على السفر للطائف. وأضاف البقمي: قال العثيم لي 40 عملا مسرحياً لم يتم تنفيذ إلا 10 أعمال أتمنى أن يخرج لي أعمال أخرى. وتساءل: هل يحقق المخرجون المسرحيون أمنيته بعد وفاته؟. وعده مدرسة نقدية مهمة في المسرح تعلم منه أجيال أثناء إقامة مهرجان الجنادرية المسرحي كيفية قراءة العرض المسرحي والغوص في أعماقه من خلال ما كان يقدمه من قراءات نقدية في تلك الفترة، مؤكداً أن العثيم أحد أهم ركائز الكتابة المسرحية وصنّاعها في المملكة.