قبل أكثر من ألف عام، أثنى كاتبنا الكبير الجاحظ على الكتاب في زمنه ثناءً عاطراً وأشاد به وذكر عددا من مزاياه، فقال: «الكتاب هو الجليس الذي لا يطريك، والصديق الذي لا يغريك، والرفيق الذي لا يملّك، والصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك بالملق، ولا يعاملك بالمكر ولا يخدعك بالنفاق ولا يحتال لك بكذب». وثمة شعراء وأدباء وكتّاب آخرون أسهبوا في تمجيد وتبجيل الكتاب وليس الجاحظ فقط. كان هذا الإسهاب في مدح الكتاب في مرحلة قديمة جدا، كان الكتاب آنذاك كتاباً بمعنى الكلمة. وعاء للاستزادة بالمعرفة والثقافة والعلم، حتى كتب التسلية في ذلك الزمن كانت تقدم التسلية بصورة راقية ومفيدة جدا على غرار كتاب الإمتاع والمؤانسة لأبي حيّان التوحيدي. واستمرت المؤلفات سائرة على هذا المنوال تقريباً حتى اخترع الألماني غوتنبرغ الطباعة في القرن الخامس عشر الميلادي. وبعد بزوغ فجر الطباعة ابتدأ عصر جديد ساهم في انتشار طباعة الكتاب وتداوله بصورة أكبر بكثير من السابق. دور النشر أيضا انتشرت وتعاظمت خلال القرن العشرين. أي أن مفهوم الكتاب تبعا لذلك تبدل هو الآخر، صاحب دار النشر هو تاجر وليس صاحب مؤسسة خيرية، ولا يكترث بمستوى الثقافة في البلد. يبحث عن الكاتب صاحب الشعبية ويبحث عن الكتاب الذي يدر عليه ربحا عظيما بصرف النظر عن محتواه ومدى فائدته للقراء. الآن بات الكتاب وبات التأليف جاذباً ومغرياً. دور نشر متعددة ومعارض كتاب ومنصات توقيع وسوشل ميديا وصور سيلفي وطباعة أنيقة وغلاف جذاب تمنح كتابك بريقاً ولمعاناً. ولذا نرى تهافت المشاهير من مذيعين وممثلين ومشاهير السوشل ميديا وغيرهم على التأليف والكتابة. مع التطور التكنولوجي وسهولة استدعاء المعلومات ووجود قوقل بإمكان أي إنسان لا يمتلك ذرة موهبة في الكتابة وليس لديه تكوين معرفي وثقافي أن يؤلف كتاباً خلال أسبوع، فقط يحتاج منك ساعة يومياً لمدة أسبوع، وحبذا لو صنعت كأساً من الشاي ليساعدك على التركيز. لا عليك سوى أن تفتح كمبيوترك وافتح أيضاً الواي فاي ثم ادخل على قوقل واختر الموضوع الذي ترغب تأليف كتابك فيه وافتح نافذة صغيرة في برنامج Word وانسخ والصق فيه المعلومات التي نالت إعجابك من مواقع متعددة عن الموضوع الذي اخترت البحث فيه. ثم لا تجعل الكتاب كله منسوخاً مئة بالمئة. بل اكتب أنت المقدمة وبضع صفحات ثم أرفقها مع ما جمعته من قوقل. وحينئذ يصبح الكتاب جاهزا وبإمكانك طباعته في دار نشر مرموقة واحرص على أن يتزامن نشره مع معرض الرياض الدولي للكتاب عام 2019.