كثير ممن يكتبون عن الحرية غير ملمين بمعناها الحقيقي، إن جئنا على أرض الواقع وجدناها تقع على ثلاثة محاور رابعها مبهم، تتمثل في الحرية الأكاديمية، كما عَرَّفَها رئيس جامعة هارفرد الأسبق كونانت، موضحاً أن أي مؤسسة تعليم عالٍ تصبو إلى أن تكون محل ثقة العالم، يجب أن تتوفر بها حرية البحث والنقاش والجدل للتوصل إلى الحقائق العلمية وإثباتها، حتى تدرس بطريقة منهجية. وهناك الحرية الشخصية التي يمارسها الشخص إشباعاً لفضوله بالحد المقبول، كما شرعه الله في إطار الدين، فلك حرية ما تأكل وتشرب، واختيار ما تشتهيه نفسك، دون مخالفة الدين، فَسَنَّ لكل غريزة طريقة إشباع حسب ضوابط شرعية. وهناك الحرية المطلقة التي تخول للشخص التصرف كما يحلو له، وهي عدو المجتمع الأول. يعتقد البعض أنها حقه المكتسب، ولكن هذا النوع تترتب عليه الكثير من الأضرار الجانبية، التي تؤذي صاحبها أحياناً وتؤثر سلباً على المجتمع في أحيان كثيرة. وهذا يقودني إلى مفهوم الحرية الجديد في رؤية 2030.. التي طرحها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عندما أفاد أن الجيل الصاعد يمثل الشباب منه 70% من المجتمع، يجب أن تتاح لهم الفرصة في جميع مجالات العمل ليستفيد الوطن من خبراتهم، كما أتى على ذكر المرأة، ووضع لوائح وأنظمة جديدة، تعطي المرأة كامل الأحقية بممارسة حقوقها كفردٍ فعال مؤهل لشغل مناصب مهمة في الدولة، مثل العضوية في مجلس الشورى ومختلف الوزارات، مناصب كانت في السابق تقتصر على الرجل. ليس هذا فحسب، بل أسقط عنها الولاية المتعسفة، والتي كانت عائقاً لطموح البعض منا. وبدأنا نرى الكثير من إنجازات المرأة الفعالة بفضل تلك الرؤية؛ لأنها سلطت بقعة الضوء على نجاحها، وسمحت لها بالقيادة، وفرضت على الجميع احترام طموحها وتقبل مشاركاتها في جميع المجالات، عوضاً عن الاكتفاء بها كعنصر نسائي فقط، محبوس في سجن العادات، مكبلا بالتقاليد. وهنا يكمن الشاهد، «ظهرت فئة فاهمة أن الحرية غلط، وفئة فاهمة إن الغلط حرية»، انقسم المجتمع لنصفين نصف مع الرؤية التي غيرت مفاهيم عدة لمواكبة عصر النهضة، ولكنها أسرفت في تنفيذها، وانتهجت منهجاً مضاداً لها في المبدأ. والنصف الآخر انتهج طريقاً مغايراً، معاكساً تماماً نتيجة لعدم استيعابهم لمبادئها الأساسية الواضحة والصريحة، ومن وجهة نظري الشخصية، فإن ما يحدث الآن من التصرفات أمر طبيعي حتى تأخذ الأمور مجراها وتستقر في نصابها الصحيح. وآن الأوان أن نتحرك نحو إحداث نهضة واعدة تصب في مصلحة هذا الوطن.. فما نزرعه اليوم ستحصده أجيالٌ قادمة بمثابة العمود الفقري المعني بهذه الرؤية.