كنت شغوفا في مرحلة طفولتي وبداية شبابي باصطياد العصافير الجميلة التي تجوب في سماء قريتنا منذ الصباح الباكر حتى المساء ثم تختفي عند حلول الظلام. ذات يوم دفعت برودة الشتاء عصفورا جميلا للهبوط إلى شرفة منزلنا، أخذت أراقبه عن بعد واستمتع برؤية ريشه الناعم الكثيف وألق عينيه الصغيرتين. شعرت برغبة قوية باصطياده لكي أضعه في قفص أنيق يليق بجماله ورشاقته. تقدمت قليلا نحو حائط الشرفة، بدأ يحرك جناحيه بإعياء ثم هبط على الأرض.. تيقنت أن لحظة اصطياده قد أزفت، اقتربت منه أكثر لكن ظلي تحرك قبلي تقدمني إلى مكانه بفعل انعكاسات أشعة الشمس، ارتعب من ظلي، ثم فرد جناحيه بلمح البصر وطار بعيدا نحو السماء. تساءلت: - لماذا يكون ظل الإنسان مرعبا لهذه الدرجة؟! كرهت ظلي منذ ذلك الوقت، واكتشفت أن الكون منذ خلقه الله لا يخلو من أخطاء فادحة!. حزنت لأن هذا العصفور الجميل تركني وحيدا، وطار نحو سماء موحشة ملبدة بالغبار والتيه!. ليته عرف أنني سأكون له صديقا حميما، سيحميه من خطر محتمل، وليته عرف مدى حاجتي إليه، لكي يعلمني كيف أغرد وأطير. كان بودي أن أقول له قبل أن يطير، بأن أمي قذفتني وأنا عار بلا ظل، كل البشر لحظة ولادتهم في البدء جاءوا للحياة أحرارا كالعصافير. كنت قلقا على مصير هذا العصفور الصغير والجميل، بعد أن تفشت في سمائنا، غربان مترهلة بأجنحة حادة وكبيرة، حجبت رؤية الشمس وأخذت تفتك بأسراب الطيور الصغيرة وتلتهمها بوحشية، ومن ثم أصبحت تنشر الرعب والعفن في أرجاء قريتنا الطيبة. امتشقت بندقية صيد لأبي، وأصبت غرابا ضخما كان يحلق قريبا من الأرض، حاول أن يطير مع جماعته ويهرب معهم إلى وكره، إلا أنه سقط على الأرض متأثرا بإصابته، ظل يحتضر للحظات، ثم أجهزت عليه بعدة طلقات مزقت أحشاء بطنه الكبير المليء بريش العصافير ورؤوسها الصغيرة الجميلة. شعرت بالزهو والارتياح بعد مصرعه، وظلت رائحة دمه الكريهة تلاحقني وتزكم أنفي حتى وصلت إلى البيت.