أرنست همنجوي أعظم الروائيين وكتاب القصة القصيرة الأمريكيين.. كان يقضي معظم وقته في مزرعة (فينكا منجيا) على بعد تسعة أميال من هافانا مع زوجته وتسعة من المساعدين المحليين واثنتين وخمسين قطة وستة عشر كلباً ومائتي حمامة وثلاث بقرات وكان نادراً ما يأتي إلى نيويورك وإن حدث فيكون ذلك لأنه يجب أن يمر بها وهو في طريقه إلى مكان آخر.. في إحدى المرات طلبت منه (الليليان روس) لقاءه فكتب لها بالآلة الكاتبة خطاباً قال فيه إن ذلك على ما يرام واقترح أن تلتقيه في المطار.. وأوضح لها أنه لا يريد رؤية أحد لا يحبه وأنه لا يرغب في أي دعاية ولا أن يكون مقيداً طوال الوقت، وتابع أريد الذهاب إلى حديقة حيوان برونكس ومتحف المتروبلتون ومتحف الفن الحديث ومتحف التاريخ الطبيعي وأن أشاهد مباراة في الملاكمة وعدد الأشياء الأخرى التي يرغب في فعلها، وأضاف بقلم الرصاص (الوقت هو أقل شيء لدينا) خطرت في بالي تلك العبارة وأنا أتلقى نقوداً من إحدى الفتيات لقاء الوقت المهدر الذي تسببت فيه.. وما حدث التالي.. كنت في المقهى القريب من منزلي الذي تعودت أن أتناول وجبة الإفطار فيه.. أجلس عادة في هذا المقهى صباحاً كل يوم نصف ساعة أقرأ صحيفة (الكنساس سيتي ستار)، وأتبادل الأحاديث والنميمة مع رفقاء الصباح ثم نفترق كل يذهب إلى مبتغاه بعد أن نتبادل ابتسامات مختلسة.. في بعض الأحيان تكون الأمزجة رائعة أكثر من المعتاد فنتبادل بعض المستجدات السياسية والقصص الفكاهية ويطول الحوار وغالباً ما تصاحب ذلك الحوار ابتسامات عريضة متبادلة ويستمر ذلك حتى انتهاء الظهيرة.. ولأن لكل عمر عادته تعودت أن أبتلع أدوية ما قبل الإفطار الملونة حال طلبي وجبة الإفطار التي غالباً لا يأخذ وقت إعدادها أكثر من 15 دقيقة.. في هذا اليوم وعلى غير العادة مرت الدقائق بلا مذاق.. غرقت في انتظار إفطاري.. تعبت من عد الدقائق.. انتظاري كان أطول من المعتاد.. بعد أن تجاوزت الساعة عشر دقائق عن الوقت المعتاد.. خطوت نحو مقدمة الخدمة كانت طفلة عذبة بجدائل وفيونكات ملونة مراهقة في سن حفيدي على وشك النضوج.. كانت رقيقة كما لم أر رقة من قبل.. أوحت لي نظراتها أن هناك خطأ حدث في إعداد وجبتي واستدعى التأخير.. اعتذرت لي وبعد سبع دقائق تقدمت لي تحمل صينية إفطاري ومظروفاً صغيراً به قيمة الوجبة التي دفعتها وقطعة ورقية بقيمة 10 دولارات تستخدم فقط ككوبون في المقهى تطلعت إليها في انبهار أبله قلت لها كنت فقط أستعجل الحصول على إفطاري لأني تناولت بعض الأدوية لا أكثر.. أجابتني في ود.. وابتسامة كسبيكة من النحاس على ثغرها.. هذه سياسة المؤسسة في تعويض الزبون عندما نخفق في تقديم الخدمة كما يجب.. هناك وقت مهدر نحن كنا السبب فيه.. كنت ضعيفاً مثل طفل وأنا أُخرج الورقات النقدية من المظروف وأضعها في محفظتي... ظلت يداي مشلولتين وأنا أستلم الكوبون برمز الاعتذار عما حدث.. حدث كل ذلك في فترة قصيرة.. كالصدفة.. ابتسمت في وهن وأنا أبدأ في تناول إفطاري.. كانت علامات الرضى ظاهرة على وجهي.. كل الرضى!