مؤلم.. ومؤلم حقاً أن يقبل الرشوة من هو في غنى عنها ولكنه يبرر تقبله لها أنه سيعين بها المحتاجين أو يدعم بها مشاريع خيرية، في الوقت الذي لا يخفى عليه ما قيل في ذلك: «ومطعمة الأيتام من المال الحرام خير لها الإمساك عن ذلك»! سطور شدني إليها ما نشرته صحيفة «الحياة» بتاريخ 18/6/1439ه وقد جاء فيه نبأ من تورطوا بأعداد مهولة منها: «أن المباحث الإدارية في السعودية أوقفت 8874 شخصاً في قضايا تتعلق بالفساد الإداري العام الماضي، بينهم 6374 سعودياً، و2473 أجنبياً، لينضموا إلى أكثر من 30 ألف شخص لهم علاقة في هذه القضايا أوقفوا طوال السنوات الخمس الماضية، فيما دعت المواطنين والمقيمين إلى التبليغ عبر الرقم 980 عن كل الحالات التي تمر عليهم، خصوصاً عند طلب الموظف العام مقابلاً لتنفيذ أي عمل. وبلغ عدد البلاغات التي استقبلتها المباحث الإدارية العام الماضي 6093 بلاغاً، ليصل إجمالي عدد البلاغات في السنوات الخمس الماضية إلى 21.678 بلاغاً، فيما كان عدد القضايا التي سجلت العام الماضي 5185 قضية متعلقة بالرشوة والفساد الإداري، مرتفعاً بنسبة كبيرة عن الرقم الذي سجلته عام 2014، الذي كان 1808 قضايا مسجلة. فيما زاد عدد الأطراف الذين لهم علاقة بقضايا الفساد الإداري، زيادة طردية مع زيادة عدد البلاغات التي سجلت العام الماضي، إذ ابتدأ العدد في 2014 ب3968 شخصاً، ليصل إلى أكثر من ثمانية آلاف العام الماضي 2017». «يا للهول» كما يقول عميد المسرح العربي الفنان يوسف وهبي! وأترك الفن وأهله إلى مروية جاءت في كتاب الكاتب الإسلامي الكبير خالد محمد خالد رحمه الله، بكتاب «إنسانيات محمد» تقول: «كان للنبي صلى الله عليه وسلم غلام يقال له مِدْعم وفي إحدى الغزوات أصابه سهم وهو يحط رحل رسول الله فمات، وجاء أصحاب الرسول يعزونه في خادمه، ويقولون: هنيئاً له يا رسول الله لقد ذهب شهيداً ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أجابهم قائلاً: كلا، إن الشملة التي أخذها من الغنائم يوم خيبر، لتشتعل عليه ناراً». شملة لا تساوي بضعة دراهم أخذها هذا الغلام خفية أو خلسة يوم «خيبر» ثم ها هو ذا يموت شهيداً، ولكن استشهاده هذا لم يدفع عنه غائلة إثمه القديم، لأنه كان إثماً عظيماً باهظاً وعدواناً غير مشروع على مال الناس، مال الأمة.. لكنها شملة لا تساوي شيئاً.. أجل ولكن تقديس رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم لحرمات الحق، والعدل، والأمانة لا يعرف في هذا المجال تفاوتاً ولا مفاضلة. كما يروى أنه ذات يوم رجع إلى المدينة أحد الولاة، وذهب ليقدم للنبي صلى الله عليه وسلم الأموال التي جمعها من الزكاة.. «قدم بعضها وقال: هذا لكم. واحتجز بعضها الآخر وقال: وهذا أُهدي إليَّ. وفي التو والناس يجتمعون في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم نهض الرسول وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإنني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله فيأتي فيقول: هذا لكم. وهذا هدية أُهديت إليَّ، أفلا جلس في بيت أبيه حتى تأتيه هديته إن كان صادقاً؟ والله لا يأخذ أحد منكم شيئاً بغير حقه إلا لقي الله تعالى يحمله يوم القيامة». وهكذا يقطع رسولنا صلى الله عليه وسلم الطريق على السرقات الهاربة من الأبواب الخلفية، السرقات التي تؤخذ متنكرة في ثياب هدايا، وهي في محض واقعها من شر ألوان الرشوة والسرقة والانتهاب. السطر الأخير: عن رجاء بن حيوة عن أبي الدرداء أنه قال: «إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتوخ الخير يعطه، ومن يتوق الشر يوقه». [email protected]