بسحنته العربية وطوله الفارع وذكائه المتقد، حقق ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان أهدافه الرئيسية في جولته الأولى منذ توليه ولاية العهد في يونيو 2017، إذ طوى في معيته القوى السياسية والاقتصادية والإعلامية والثقافية، مجسَّداً دولته في رمزية تحركاته وانتقائه لوفده المرافق له. هبطت طائرة ولي العهد في مصر ال4 من مارس 2018. وكسر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي البروتوكول حين استقبله في المطار، والطائرات الحربية تحيط بطائرته الملكية، محتفية بزيارةٍ رفيعةٍ تستعيد ذاكرة زيارة جده المؤسس وباني الدولة الحديثة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود إلى القاهرة في 1946، إذ أسست تلك الزيارة شراكة مصرية_ سعودية قوية، فكانت زيارة الحفيد مجددةً لتلك، بعدة اتفاقات وبرامج اشتملت على مجالات بيئية واستثمارية وتوحيد الصف في محاربة الإرهاب، ونشر التسامح. وبابتسامته العريضة، صافح ولي العهد البابا تواضروس الثاني في الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، مشدداً على التسامح بين الأديان، وارتكاز الدولة السعودية على الإسلام المعتدل، إذ تعهّد الأمير الشاب في وقتٍ سابق بإعادة الإسلام إلى أصوله، وتنقيته من الأيديولوجيا التي زرعها المتطرفون. وعلى نهج ملوك المملكة العربية السعودية، افتتح ولي العهد ترميم جامع الأزهر الذي كان سبب ترميمه بمبادرة سعودية، فكبّر الأمير الشاب، وسجد لله، مصلياً في جامع الأزهر، إذ تصدرت صورته الصحف السعودية والمصرية على حدٍّ سواء كون زيارته التاريخية حققت مرادها في القاهرة. وبيدٍ بيضاء لوّح ولي العهد مودّعا جمهورية مصر، واتجه إلى عاصمة الضباب «لندن»، في زيارةٍ احتفت بها الأسرة المالكة البريطانية، وأحدثت ضجة كبيرة في الأوساط الإعلامية. ولأن الأمير الشاب يؤمن بالقوى السياسية الأخرى، خصوصاً القوة الناعمة، اصطحب معه الثقافة والفنون كي يتعرف البريطانيون على حقيقة الإنسان السعودي، وعراقته من خلال الرسوم الفنية، والأفكار التحديثية التي تمثّلت في الأنغام المصاحبة، والرسومات التي توسدت الأعمال الفنية، وكأن الأمير الشاب أراد أن يأتي بالسعودية كاملةً متمثلة بوزراء وصحافيين ومثقفين. وبترحابٍ كبير، جاء لقاء الملكة إليزابيث الثانية بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إذ بدت متأنقةً في قصر باكنغهام، فتناقلت الصحافة الصور كونها مجسدةً لجذور الشراكة الإستراتيجية بين البلدين منذ لقاء المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود بالزعيم البريطاني تشرشل قبل نحو قرن من الزمان، إلى لقاء الحفيد الأمير محمد بن سلمان بوريثة العرش البريطاني وابنها الأمير تشارلز الذي أقام مأدبة عشاءٍ للأمير السعودي الشاب. وكان لقاء الأمير الشاب برئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي علامة فارقة، إذ وقع الأمير الشاب اتفاقات في مجالات تعليمية ومذكرة تعاون مشترك للأعمال الإنسانية، إضافة إلى مذكرة تفاهم لتعزيز الاستثمار بين قطاعي الأعمال، كما أن هذه الجولة المكوكية أسفرت عن اتفاقات ثقافية واقتصادية كبيرة، تمثلت في إيجاد فرص تجارية في قطاع الغاز، ودراسة متغيرات أسواق وسياسات الطاقة العالمية والمحلية، وإعداد برامج تطويرية في الهندسة الكيميائية والميكانيكية وعلوم الأرض والنفط، إضافة إلى تأسيس مركز ابتكار للمواد غير المعدنية، وتحقيق منتجات صناعية عالية القيمة بإنتاج كيميائيات تستخدم النفط الخام. كما منح ولي العهد نحو 32 رخصة استثمار أجنبية في السوق المحلية، منها 10 رخص استثمارية خلال شهر مارس الجاري. واقتنص ولي العهد رمزية لقائه بكبير أساقفة كانتربيري، واطلاعه على أحد أقدم المخطوطات للقرآن الكريم، إذ أكد اللقاء على أن الأمير محمد بن سلمان لن يتوانى لحظة في تنفيذ خطته الإصلاحية والتصحيحية للصورة السعودية في الخارج، بل أثبت أنه يسير على خطى ثابتة نحو عنان السماء كما عبّر عن ذلك في لقاءات إعلامية سابقة. وباتفاقات كبيرة ألجمت المحاولات القطرية والإيرانية المعادية لوثباته المستمرة، نجح الأمير الشاب بجعل بريطانيا تتحدث إليه، وتبتهج بزيارته، إذ جاء بأجندة عملٍ واضحة، لا تنتمي إلى المراهقات السياسية التي انتهجتها الدوحة وطهران، فقد أكّدت الجولة التاريخية في عاصمة الضباب أن ولي العهد نجح في تعميق الشراكة الإستراتيجية بين السعودية وبريطانيا بإبرام اتفاقات عديدة شملت الاقتصاد والثقافة والرياضة والأمن، إضافةً إلى تأصيل العلاقة السعودية-البريطانية من خلال القفز ببلاده إلى مصاف الدول الأولى في العالم، ببناء اقتصاد يتخلص من إدمان النفط.