كم من الناس يعرف معنى جودة الحياة ويدرك أكثر كيف يعيشها؟ قطعا ليس البشر في ذلك سواء، فالبعض يرى السعادة في الرضا، والبعض الآخر يراها في المال كمفتاح لتحقيقها، والبعض في الوظيفة وآخرون يرونها في تحقيق حلم الزواج، وغيرهم يرونها في نعمة استقرار العشرة، وكذلك الحال مع التسوق وغير ذلك كثير، وتلك هي طبائع البشر، وإن كانوا في الماضي أكثر انسجاما مع متطلباتها وإمكاناتها البسيطة، فلا ضغوط العيش ولا سهر انشغالا بما ينقصهم ولا هدر كحال اليوم ثم يشكو البعض من قلة البركة دون ثقافة ترشيد كانت اختيارية. الجودة في الأشياء المادية لها ثمن والبعض يطلبها، والبعض الآخر يتغاضى عنها، وكما يقول المثل (على قدر غطاك) أيضا لدينا مواصفات للاستيراد والإنتاج المحلي ومع ذلك لا تخلو الأسواق مما نقص سعره وجودته، وبعضها يضر أو يتسبب في خطر كأدوات الطعام والتجميل وغيرها الكثير ناهيك عن الغش التجاري وتجارته في العالم بمئات المليارات، وما يتم ضبطه في بلادنا كثير. هذا عن الأشياء المادية التي نحرص عليها، وليتنا نحرص على جودة الحياة بمفهوم تنظيمها، لتجاوز عصر القلق الذي أصاب البشر على كوكب الأرض. عموما جودة الحياة والإحساس بها أمر نسبي وينبع من الإنسان أولا، ويتأثر ويؤثر فيها محيطه الاجتماعي، لكن مدخلات السعادة كثيرة ومتاحة ولا تكلف شيئا، فتنظيم الوقت يجلب الاستقرار والراحة والإنجاز، والتواصل الاجتماعي الحقيقي يجلب البهجة وليس عزلة شبكات التواصل الإلكتروني التي تشوه النفس إذا أصبح الإنسان أسيرا لها، كما أن روح المودة تغذي النفس بالخير. في المجتمعات المتقدمة التي نظمت حياتها يهتمون بالأبحاث والدراسات عن سعادة الإنسان وجودة الحياة ورحلة البحث عنها، وتصدر لديهم كتيبات وسلاسل استرشادية لمتخصصين، لأنهم أدركوا منذ عصر الثورة الصناعية خطورة طغيان الحياة المادية وتوحشها على الصفاء الداخلي، بعد أن كثرت لديهم علل النفس والاكتئاب ونسبة من الانتحار، لذلك اهتموا بالطب النفسي والعلوم الإنسانية التي ترطب حياة الإنسان. وكمجتمع مسلم لدينا نبع عظيم من العبادات وتعاليم الكتاب الكريم والسنة المطهرة، ومع ذلك البعض يؤدي العبادات ثم يكون شخصا آخر في معاملاته وسلوكه وطبائعه من غضب ومشاحنات وغيبة ونميمة وإضرار بالناس وألسنة أشد إيذاء. جودة الحياة ليست فقط في ما نرغبه من أشياء مادية ومتع، إنما أيضا في ثقافة العيش بعلو القيم والإرادة بتقوى الله أولا، ثم الصدق مع النفس ومع الآخرين بالتراحم والكلمة الطيبة، وأيضا هي في ثقافة النجاح بالمعنى الشامل في بناء الذات وتقويمها، وحسن التفكير والتدبر وتحصيل العلم والمعرفة والجد والإخلاص في كل شيء، وجودة الحياة كذلك في ثقافة الغذاء السليم والترويح الهادف، وخلق جو من السعادة الداخلية تفيض على المحيط الأسري والاجتماعي. هذه ليست مثاليات إنما أمور ننشدها جميعا ونبحث عنها، لكن ليس كل إنسان لديه القدرة على سبر أغوار نفسه وتطوير الذات والتفاعل الإيجابي في الحياة، وكل هذه السمات الشخصية تبدأ منذ الصغر وتشب وتنمو وتتغذى عبر مشوار الحياة، كما لا يجب أن ننسى في زحام الدنيا أن جودة الحياة هي حق أصيل أيضا لذوي الاحتياجات الخاصة في الخدمات والمرافق والتعليم والترفيه والعمل واكتشاف قدراتهم. أخيرا كل فضيلة تمنحنا قيمة إنسانية هي بصمة لحياة أفضل.