اقتل اقتل حتى يعتاد الناس على رؤية قتلاك ويصبح الدم المنثور على الطرقات مثل تقلبات الطقس: لا أحد يحبها ولا أحد يستنكرها.. موت يحدث كل يوم وأطفال يلفون في أكفان صغيرة ويصفون بعناية كي تصورهم الكاميرات قبل أن يدفنوا في حفر أعدت على عجل.. ربما يدفن طفلان سويا في حفرة واحدة بسبب الاستعجال، فيصبحان من توائم القبور، فيتسامران ويتحاوران حول البشر الموجودين فوق الأرض، فيشفقان عليهم لأنهم فقدوا بشريتهم من أجل أن يحتفظوا بما يسمى: الحياة.. ويا لها من حياة! هذا ما يحدث في سوريا اليوم.. في الغوطة الشرقية وقبلها في كل شبر من هذا البلد المنكوب الذي تركه العالم وحيدا تحت سطوة ديكتاتور مريض مغلوب على أمره يرفع الإيرانيون ملابسه الداخلية على رماحهم، ويطبع الروس صورته الذليلة على قذائفهم كي يفتكوا بشعب مسكين يطارده الموت في حارات المدن العتيقة وفي مزارع القرى المهجورة، وتصرخ النساء والأطفال والشيوخ فيه كل يوم صرخات القهر دون أن يسمعهم أحد.. وحتى لو كان ثمة من يستمع إلى صرخات المنكوبين فإنه لا يفعل شيئاً أكثر من أن يهمس في أذن شخص قريب: إنهم يصرخون!. عار على العالم وعلى العرب وعلى المسلمين جميعاً ما يفعله بشار الأسد وحماته من الإيرانيين والروس في سوريا.. مجازر تتلوها مجازر طوال سبع سنوات انتصر فيها منطق الوحوش، فأصبح القتل أمراً واقعاً لا يرى المجتمع الدولي ضرورة تغييره بقدر ما ينشغل في البحث عن آليات للتخفيف منه.. لم يعد العالم معنياً أبداً بمواجهة جرائم الحرب التاريخية في سوريا، ولا يفكر إطلاقاً بمحاكمة من يقفون وراءها، بل هو معني بالبحث عن طرق لتنظيم القتل ووضع جداول زمنية للمجازر كي لا تتداخل مواعيد الدم فيرتبك الدبلوماسيون في إعداد البيانات التي تتحدث عن بشاعتها. يوما ما سوف يدفع الديكتاتور وحماته من الإيرانيين والروس وعملاء حزب الله اللبناني ثمن الجرائم المرعبة التي ارتكبوها دون وخزة ضمير.. وسيشربون كأس الدم والذل بالمرارة ذاتها التي يذيقونها أبرياء سوريا اليوم.. فهذه سنة كونية أكيدة والله يمهل ولا يهمل.. ولكن هذا العالم البائس سوف يعاني كثيراً؛ لأنه قَبِل مع مرور الوقت أن يتنازل عن بشريته بهذه البساطة، ما يعني أن فيضانات الدم سوف تتكرر في أكثر من مكان وربما ببشاعة أكثر.