قبل كل شيء ولأننا في مرحلة يستمتع فيها البعض بخلط الأوراق وإخراج العبارات عن سياقها، أحب الإشارة إلى أنني ميال للرأي القائل بوجوب مراعاة مصالح الوطن والمواطنين في مسألة العمالة الوافدة، كما أنني ضد قيام بعض أصحاب الأعمال بتفضيل الموظفين غير السعوديين على السعوديين لأسباب ليس لها علاقة بالكفاءة، لأن هذا السلوك مخالف للأنظمة ويضر بمصالح الوطن. والآن بعد أن تجاوزت هذا التوضيح الاضطراري يمكنني أن أقول بأنني مستغرب جدا من هذه اللغة السلبية التي بدأت تنتشر بين بعض شبابنا ضد المقيمين من مختلف الجنسيات، فهؤلاء شركاؤنا في بناء الوطن، وهم في دار الخير والكرم، ولا يليق بنا أبدا أن نحاصرهم بمثل هذه الأطروحات المزعجة، فهم جزء من هذا المجتمع حتى وإن اختلفت جنسياتهم عن جنسيات مواطنيه، بل إنني لا أرى مصطلحا أسوأ من مصطلح «أجانب»، فمثل هذا المصطلح هو دعوة صريحة لعزلهم وانعزالهم، فمسماهم الحقيقي الذي تتبناه الدولة هو «المقيمون»، وهم مثلما يستفيدون من بلادنا حيث يلقون فرص العيش الكريم والأمن وراحة البال، فإنهم يقدمون في المقابل فوائد لا تحصى، حيث يشاركون في البناء والتنمية، ولو كنا حقا لا نحتاجهم لما استقدمناهم أصلا، فالمصلحة هنا مشتركة. لا أريد أن أستعرض لكم تجارب دول انغلقت على نفسها وتعاملت بتوجس أو بفوقية مع حملة الجنسيات الأخرى فعزلت نفسها بنفسها وتراجعت في كل شيء وتخلفت تنمويا وحضاريا، فمن ضرورات التقدم الانفتاح على الآخرين ونقل الخبرات وتبادل المعرفة. بالتأكيد ثمة ممارسات غير مقبولة مثل العمالة الرديئة السائبة ولكن هذا ليس ذنب المقيمين الشرفاء بل ذنب المواطنين الذين تحايلوا على الأنظمة واستقدموهم، وكذلك مزاحمة بعضهم للسعوديين الأكفاء في الشركات، ولكن هذا ليس ذنب المقيمين بل ذنب رب العمل السعودي الذي تهرب من واجبه في منح الفرص لمواطنيه. ومن الأمثلة أيضا مزاحمة بعضهم للمواطنين في المستشفيات الحكومية بسبب وساطات بعض أصحاب النفوذ، ولكن هذا ليس ذنب المقيمين أيضا. باختصار شديد أنا لا أختلف بأن خيرات الوطن يجب أن توجه إلى أبنائه قبل أي أحد آخر ولكن التعصب الشديد ضد الجنسيات الأخرى قد يتحول مع مرور الأيام إلى موجة عنصرية لا تخدم بلادنا بل تضر بها شديد الضرر، فبعض هؤلاء المقيمين ولدوا في هذه البلاد الطاهرة، وأغلبهم يشعرون بالانتماء والمحبة العميقة لهذا الوطن وأهله، وخطورة الأطروحات العنصرية أنها تمر كالعاصفة فتتسبب في ظلم الأبرياء، أما المحتال فسوف يمر دون أن يتأثر بالعاصفة كما يفعل دائما.