الحديث عن العنصرية يملؤني ثقة بأن جذر العنصرية يتشكل في بداياته من العلاقة بالمرأة، وباستطاعة كل منا أن يقيس قابليته للعنصرية بنظرته لها وتعامله معها ويسجل نقاطه العنصرية إن أراد مكافحتها، فمنها تتوالد بقية الأنواع، ونادراً ما يفر الإنسان من غبار العنصرية، فالأدلجة التبخيسية لإنسانية ومقدرات المرأة تغلغلت في اللاوعي عند المرأة نفسها فكيف بالرجل؟! يبدو أن العدوان قيمة وجودية طويلة الأجل، وإذا ما تحدثنا عن العنصرية كأحد أهم إفرازات العدوان وانتشار العداوات، بتعدد مناطق نفوذها وتشظي أنواعها فسوف نذهل بأننا في سبيل مواجهتها أكثر الأمم تعاملاً معها بثقافة ما يسمى بالحرب "الناعمة"، ولا تسل عن نعومة النفاق كيف ستكون حينها!، تلك الحرب التي تلعن الظلام ولا توقد شمعة لطرده أو حتى مناقشته الجديرة بتفسير وتبرير وجوده، هكذا تعاملنا مع العنصرية بدءاً من أصلها النوعي بين الرجل والمرأة إلى انثيالها اللا محدود مع الخلق تجاه هوياتهم وجنسياتهم وألوانهم وأعراقهم وأنسابهم وأصولهم وأديانهم و..و.. ولا انتهاء باللغة الهابطة بالإنسان النابزة له بالألفاظ الفظة والكريهة؛ إنْ في مواقع الالتقاء على أرض الواقع، أو في عالمٍ من التواصل المفترض.. كثيراً ما نردد أننا أمة العدالة والتعامل الأخوي، ولكننا ادعاءً نرميه بعرض حوائط الدنيا بكل بجاحة، عندما تحكم التصرفات وتتحكم المواقف فتكشف عن حقيقة شعورنا تجاه الإنسان والفضائل والأخلاق، المستسلم بانصياع لازدواجية التعامل بين القول والعمل، والتصرف والتبني، والحقيقة والادعاء، ما يمثل نتاج الفكر المتوارث الصارخ بالشيزوفرينيا الفاقعة الأنواع والألوان.. اليوم نعيش التشظي العنصري الكريه والخطر على كافة المستويات؛ الديني الذي يشعل الكراهية على المختلف ليس فقط دينياً بل طائفي بين شيعة وسنة، يغذي وحشيته خطاب ديني متشدد ونص مؤلب على سنة التنوع، يستدل بغلوائه على واحدية الفرقة القابضة على اليقين المطلق، والقبائلي؛ الذي يقسم المجتمع الواحد في الوطن الواحد لقبيلي وخضيري، وصلبي وطرش بحر وغيره من المصطلحات المهيمنة على واقعنا الاجتماعي المرتهن للكراهية والبغضاء والفرقة..، وعلى مستوى التكبر الفارغ ضد بلدان وألوان، وغيره من صنوف العنصريات المتوالدة بحسب اللمز والنبز في موروث الجدل الجاهلي العقيم.. ولئن كانت العنصرية في البلدان المتحضرة على المستوى المعلن مجرّمة بقوة القانون، لتنظم العلاقات وتحفظ حقوق الإنسان، فإنها عندنا تمارس على هوى صاحبها، بل تكاد الحكاية الوحيدة التي تستباح بكافة تمظهراتها المشينة بكل حرية وبدون أي قيد، فلمريدها حق ممارستها بصورة عكسية، ليكفل فرض عنجهيتها في ردهات القضاء.. سيأتي من يدعي مبالغتي ويتهمني بجلد الذات، حسناً لنر تأصل العنصرية وبغطاء مؤسسات القضاء والقانون والإعلام والشرطة والرياضة وغيرها في الأمثلة التالية: نقرأ هذا العنوان الصريح بالعنصرية في جريدة المدينة يوم الخميس 13/02/2014 (14 قضية فسخ نكاح لاختلاف النسب في 90 يوماً) وفي الخبر؛ 31 قضية فسخ نكاح لعدم تكافؤ النسب بالمحاكم خلال 15 شهراً، وهذا دليل على تزايدها وتضاعفها بحسب ال 90 يوماً المحسوبة ضمن العام الهجري الجديد 1435ه. (بلغ عدد دعاوى فسخ نكاح بداعي اختلاف النسب التي نظرت فيها محاكم وزارة العدل خلال العام الهجري المنصرم وحتى نهاية الشهر الماضي 31 قضية على مستوى المملكة، منها 14 قضية هذا العام و17 قضية في العام السابق) ويضيف الخبر: (وأوضح تقرير صادر عن الوزارة أن أكبر عدد لقضايا «تكافؤ النسب» هذا العام كان بمحاكم مدينة بريدة حيث تنظر 9 قضايا، تليها العاصمة الرياض بواقع 3 قضايا..) وفي ذات الخبر: (يبين المحامي والمستشار القانوني عمر إسحاق أن مسألة تكافؤ النسب بين الأزواج نسبية تحكمها العادات والتقاليد والعرف، ولا ننكر أن التكافؤ بين الزوجين أمر ضروري وملح تفاديًا لوقوع الفتنة والتفرقة بين أفراد العائلة الواحدة).. هذه نصيحة قانونية تدل على مدى ترسخ القيم الجاهلية والعنصرية في مجتمع بات حتى رجال قانونه ينصحون باستمرار العصبية القبلية، بدل أن يطالبوا بقانون يجرم التفريق على أساسها المستبد اجتماعياً وإنسانياً، الملتحف بغطاء فقهٍ متخلف وعادات جاهلية؟!! أما في الشرطة؛ فلقد أسفر عنها برنامج الثامنة في حلقة بعنوان "العنصرية"، والتي أعتبرها- من وجهة نظري الشخصية- من أفضل حلقات البرنامج لشفافيتها وعمق مدلولاتها سواء في الشخصيات المستضافة أو التقارير المعروضة والتي يتوصل بها لمعرفة القيمة القانونية التي عالج بها الغرب هذه المعضلة الأخلاقية واستنتاج تردي حالتنا بسبب غياب القانون. ضيفة البرنامج كابتن نوال هوساوي والتي تعرضت لموقف عنصري وهي واقفة في دورها أمام المصعد، كشفت عن عنصرية رجال الشرطة والمتراوحة رتبهم العسكرية بين ضابط وعسكري، بمحاولة الضغط عليها لعدم تحويل القضية لقسم الشرطة وتعطيلها لمدة ثلاث ساعات، ومحاولة تهريب المرأة التي تلفظت بعنصرية ضدها مع أنهم لايعرفونها. سجلت ووثقت نوال الحادثة بما فيها الألفاظ العنصرية التي صدرت من الشرطة ضدها بسبب لون بشرتها، وأكرم بالقارئ أن أذكر تلك الأمثلة العنصرية، والتي يستطيع أن يعود للحلقة ليسمعها بنفسه.. الشرطة أدارت وجهها للعنصرية وانحازت لها، وأدارت ظهرها لمن مورست عليها العنصرية ومالت عليها في صورة تفضح مقدار الاختراق العنصري المرذول لمؤسسة يفترض أنها تحفظ الأمن الذي هو بالضرورة يقام بالعدل والمساواة ولا يمكن أن يطلب بدونهما.. مناطقياً؛ نلاحظ أن العنصرية تختلف حدتها من منطقة لأخرى، فبحسب نوال تذكر أنها في المنطقة الغربية تحديداً في مكةالمكرمة كانت تسكن حي المسفلة الذي ذكرت بأنه حي متنوع عرقياً لايكاد سكانه أن يفرقوا بين بعضهم البعض، من كان منهم مواطناً أو مقيماً. بينما في المنطقة الوسطى حيث القبائل البدوية تتأصل العنصرية والعصبيات يشكو إبراهيم المسيسيبي الضيف الثاني في الثامنة الذي يسكن الخرج معاناته منذ صغره المتمثلة بابتعاد الأطفال عن مجالسته بسبب لون بشرته السوداء، معرباً عن استيائه من إصرار البعض على لمز صاحب البشرة السوداء ب"العبد" وفي الإعلام؛ ذكرت نوال أمثلة للعنصرية التي واجهتها أثناء عملها في التلفزيون السعودي القناة الأولى حيث منع المسؤول الإعلامي للقناة عرض تقاريرها بسبب لون بشرتها، رغم اعترافه بقدراتها الفائقة وإمكاناتها المهنية!! الانفعال الذي ذكرته نوال للفتاة المعتدية على حقها في الدور الذي ارتفع من صفر إلى مئة في ثانيتين كما وصفته هو انفعال العنصرية البغيض الذي يستنهض هيجانَه العصبي المتعصب إرث لا إنساني يسكن مواقع عتمة النفس في اللا شعور، والذي جعل والدة المعتدية وأختها تفزعان مباشرة معها في استسلام أعمى لهيمنةٍ طاغية لنفوذ الولاء العنصري مقابل التربية الأخلاقية والدفاع عن الحق. ذكر د. سعد الصويان بأن أثر اللفظ العنصري يتجاوز جرحه إلى تبعاته سواء في الذكاء أو المكانة أو الحقوق، فيسلب الإنسان حقه في اكتساب المكانة التي يستحقها بحسب اجتهاده وقدراته.. لكن الأخت نوال اهتمت بتوثيق الحادثة بالأدلة صوتاً وصورة ما يوحي بطريقة تعاطي نوال مع الحادثة التي تعرضت لها بتأثرها بثقافة القانون التي تشربتها بسبب السنوات العشر التي قضتها في أمريكا للدراسة، ولئن مورست عليها العنصرية في دراستها وعملها هناك فقد نالت حقها بقوة القانون وأنصفت أيما إنصاف. أما في الرياضة؛ فتعبر الجماهير في المدرجات عن ولائها لفريقها بالعبارات العنصرية تجاه الفريق المقابل وتجد فيها تفريغاً للغضب في حال الهزيمة، وهو أمر ليس بمستغرب في بيئة تحتضن العنصرية وترعاها قلباً وقالباً، لكنني أقف محتارة من حادثة قريبة لمدير ناد في المملكة أثناء تهديده برفع قضية على أحد مقدمي البرامج الرياضية لأنه عرض تقريراً فيه لفظة عنصرية، وأعتقد- وقد أكون مخطئة- بأن الاعتراض غير منطقي والدعوى خاسرة من بداياتها، إذ كيف يعتبر بلدٌ عربيٌ عريق مثلاً مسبة أو لفظاً عنصرياً، فإن كان له جذور بها فنعمت من جذور، وإن لا فليس من عنصرية أصلاً إلا على سبيل التكبر الممجوج بلا حق.. في العنصرية يكمن الدواء في الداء، فإمكانات الإهانة تهب قوة عظيمة بشرط استغلال الفرص المتوثبة لإعلان العصيان، فللإهانة إمكانات شحذ قوة مواجهة تجعل الإنسان ينهض للنضال بكل إنسانيته، فيصنع الفرق في الموقف ليكسبه في النتيجة.. الحديث عن العنصرية يملؤني ثقة بأن جذر العنصرية يتشكل في بداياته من العلاقة بالمرأة، وباستطاعة كل منا أن يقيس قابليته للعنصرية بنظرته لها وتعامله معها ويسجل نقاطه العنصرية إن أراد مكافحتها، فمنها تتوالد بقية الأنواع، ونادراً ما يفر الإنسان من غبار العنصرية، فالأدلجة التبخيسية لإنسانية ومقدرات المرأة تغلغلت في اللاوعي عند المرأة نفسها فكيف بالرجل؟!، ولكن المراهنة تبقى للجهد المبذول لمحاصرة التمدد العنصري ضدها على مستوى الأمثلة المبثوثة من سلطة الفكر والموروث لفرض حضورها الإنساني بسلطة الحق والوجود. طلب مهم وملحّ: إذا كان التخلف يولد العنصرية، والعنصرية تولد التعصب والتعصب يولد التطرف، والتطرف يولد الإرهاب بشقيه؛ الفكري والدموي، والذي رأيناه ولمسناه وعايشنا مآسيه باستمرار، فالسؤال الحاضر: أما آن للسكوت عن تراكم هذا العبث الخطير بالإنسان أن ينطق بضرورة استصدار قانون يجرم العنصرية في مجلس الشورى المحترم بدل مناقشة (فقس البيض.. ما فقس)؟!. أعطوا الحيارى من طير الحبارى وقتاً يا مجلسنا الموقر.. يرحمكم الله..