سجلت الدور العدلية السعودية في الأيام الماضية قفزات إلكترونية عديدة في عملها مدشنة بذلك حقبة تاريخية جديدة، من خلال التوسع في العمل بالوسائل الإلكترونية، ما يسهم في دقة وسرعة الإنجاز واختصار الوقت، فضلا عن محاصرة المماطلين وأصحاب الأعذار الواهية في مراجعة المحاكم، وقدرت مصادر مطلعة تزايد الاستعانة بالوسائل التقنية داخل أروقة القضاء بنحو 300% خلال عام واحد. ووصف مختصون المرحلة بأنها قفزة جيدة للعمل القضائي الإلكتروني من خلال الاعتماد على الوسائل الإلكترونية والتكنولوجيا الرقمية والربط الآلي، وحاصرت التكنولوجيا المماطلين عندما أقر المجلس الأعلى للقضاء تبليغ الخصوم بالوسائل الإلكترونية، في حين اختصر ديوان المظالم الوقت من خلال إطلاقه خدمة إيداع مذكرة الدفاع الأولى إلكترونيا عبر الموقع الإلكتروني، وزادت المحكة العليا بإقرار لها، معتبرة أن الدليل الرقمي حجة في الإثبات في العمل القضائي. وفي حين تتسارع خطوات وزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء والمحكمة العليا وديوان المظالم والنيابة العامة نحو تسخير التكنولوجيا لخدمة العمل العدلي، أعلنت وزارة العدل مطلع الأسبوع الحالي بدء العمل بالتبليغ بالقضايا المقامة ضد المدعى عليهم، عبر الرسائل النصية والبريد الإلكتروني والأنظمة الآلية الحكومية المعتمدة، وأوضحت الوزارة أن الوسائل الإلكترونية هي الرسالة النصية sms إلى الهاتف المحمول، أو رسالة البريد الإلكتروني إذا كانا عائدَين للمدعى عليهم، أو مدوَنين في عقد بين طرفي الدعوى أو في موقعه الإلكتروني، أو عن طريق أحد الحسابات المسجلة في أي من الأنظمة الآلية الحكومية، وذلك إنفاذا لأمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، عندما أصدر في 26 / 3 /1439ه، باعتماد الوسائل المذكورة، في التبليغات القضائية وتكون لها نفس آثار التبليغ النظامي. وفي شأن ذي صلة، قررت وزارة العدل أخيرا تمكين مستفيديها من الاستعلام عن بيانات ومعلومات قضاياهم إلكترونيا وأتاحت على بوابتها الإلكترونية خدمة الاستعلام عن بيانات القضية ومواعيد الجلسات، وذلك كجزء من نحو 85 خدمة إلكترونية تقدمها الوزارة عبر بوابتها الإلكترونية، لاختصار وتسهيل الإجراءات على المواطنين، فضلا عن البوابات الإلكترونية لبقية المقار العدلية والقضائية. وكانت وزارة العدل بالتعاون مع مركز المعلومات الوطني فعّلت خدمة إشعار المنفذ ضدهم برسائل نصية عبر الهاتف الجوال، وتتيح الخدمة التي يتم تطبيقها على المنفذ ضدهم أحكاما قضائية استلام رسائل نصية على أرقامهم داخل وخارج المملكة، تفيد بصدور قرارات قضائية تنفيذية ضدهم ليبادروا بتنفيذ القرارات قبل صدور العقوبات التي يقتضيها النظام بحقهم، وتتضمن الرسالة النصية رقم القرار وتاريخه مع بيان اسم المحكمة أو دائرة التنفيذ التي أصدرته. وسبق هذه الخطوة ربط محاكم التنفيذ بالمنظومة الإلكترونية لهيئة السوق المالية ومنح قضاة التنفيذ صلاحية تنفيذ الأحكام المتعلّقة بالإفصاح والحجز ورفع الحجز والتنفيذ ماليا ضد من صدرت بحقهم أحكام بشكل إلكتروني، تسريعاً لتنفيذها. من جهته، قال المحامي حازم كرم ل «عكاظ»: من المعلوم بأن الحفاظ على التقاضي والترافع بالشكل التقليدي والممتد منذ عقود، لم يعد ممكنا في ظل التطور التقني المتسارع الذي يعيشه العالم، بل بات لزاما على البيئة العدلية تحديدا بكافة مكوناتها أن تتماشى مع هذا التطور، تحقيقا لمبادئ العدالة وإرساء لها، بتسخيير التقنية لتسهيل الإجراءات والمعاملات، موضحا أن ما حدث في الأيام القليلة الماضية من اعتماد البريد الإلكتروني كعنوان للتبلغ، ما هو إلا انعكاس لتلك المواكبة، بتذليل أحد أشق المراحل في التقاضي وهي إبلاغ الخصم وما لحق ذلك من التعويل على المستند الإلكتروني كأحد وسائل الإثبات، وفق قيود معينة يتاح معها نشوء مرحلة جديدة من التقاضي، تكون فيها أدلة الإثبات رقمية لا ورقية. وأضاف كرم: نأمل أن لا يكون هذا التطور حكرا على جهة واحدة، بل يشمل كافة مكونات البيئة العدلية، وأن يتزامن بتطور تقني ملحوظ لا يفقد للمتقاضين أي ضمانات أو حقوق كفلتها الأنظمة، بل أن يساير ذاك التطور تحقق تام من مراعاة الضمانات وصونها، كون التطور التقني قد يضار منه المتقاضون إذا لم يستخدم بالشكل الملائم.