عاش اللبنانيون شغورا رئاسيا امتد لأكثر من عامين ونصف، وحين حصلت الانفراجة باتفاق يشمل انتخاب الجنرال ميشيل عون رئيسا للجمهورية، والرئيس سعد الحريري رئيسا للحكومة، لم يكن هذا الاتفاق مرضيا للجميع، حتى من هم حلفاء لحزب الله. فقد كان واضحا من رئيس حركة أمل نبيه بري، بعدم تصويت كتلته لصالح عون، وقد كان الفشل في تحقيق عدد الأصوات المطلوبة لتنصيب عون لأكثر من جولة، دليلا على أن عون ليس خيارا مفضلا للجميع بعد العودة من 15 عاما من العزلة السياسية في باريس، ولعل تحالفه مع حزب الله الذي يخوض حربا في سورية وتدخله في اليمن، أصاب شعبيته مسيحيا ولبنانيا بشكل عام. لكن فشل جبران باسيل في الانتخابات النيابية في كل التجارب السابقة، يجعل من التسريب الذي يهين فيه الرئيس بري ويصفه بالبلطجي، عنوانا انتخابيا قبل كل شيء، فهو في جزء منه مهين للطائفة الشيعية ولرمز مهم في وجدانها، كما أنه مفيد انتخابيا على مستوى ردات الفعل المتوقعة من عناصر حركة أمل، والذي تم بالفعل عبر إسقاط صور الرئيس عون وإشعال الإطارات. لا شك أن تصريحات باسيل حملت سوء تقدير سياسي وشعبي، فلم يتوقع أن تصل التطورات إلى مهاجمة ضاحية الحدث (ذات الغالبية المسيحية المارونية)، التي اعتبرت تقليدياً خط التماس بين المسيحيين والمسلمين خلال الحرب الأهلية، خصوصا بعد ما حملته ردة فعل الرئيس عون على التسريب من استفزاز للشارع الشيعي، أولا عبر الصمت، ثانيا عبر تعليق الرئيس حول تحركات شباب أمل «بأنه لا يجب الرد على الخطأ بخطأ آخر». الوزير جبران باسيل كثيرا ما دافع عن اعتبار حزب الله حركة إرهابية، في اجتماعات جامعة الدول العربية، وتحفظ على بيانات الجامعة وغاب أحيانا لدرء الحرج عن لبنان، لكن ما شكله العهد من توافق، يراه بعض اللبنانيين كتقاسم للسلطة بين «المستقبل» و «التيار الوطني الحر»، بغطاء من حزب الله، الذي لا يحتاج أكثر من البقاء في سورية حتى تقرر طهران غير ذلك، رآه باسيل كعدم حاجة لإرضاء حركة أمل. حزب الله ضحى -حكوميا- من أجل حرب سورية لكي يدفع حلفاءه دفعا نحو التوافق، حيث اكتفى بوزارتين غير مهمة، لأنه في حقيقة الأمر يؤجل المكاسب لبنانيا لما بعد حسم ملف سورية، بل كان التعطيل هو خياره للشغور الرئاسي، لولا ضغوط كبيرة تمت على إيران، ونذكر لقاءات الرئيس الفرنسي وبابا الفاتيكان بالرئيس روحاني. لكن الحاجة السياسية لحزب الله لبنانيا ودوليا للتحالف مع أطراف غير شيعية، دفعت باسيل للظن بأن حزب الله لو دُفع للاختيار بين «أمل» و «التيار الوطني»، سيفضل التيار الوطني على أمل، وهذا بالطبع سوء تقدير، فباسيل في نهاية الأمر صهر ميشيل عون وليس بصهر لحسن نصر الله، كما أن التوافقات والتحالفات مهما تنوعت في لبنان، فقواعد بنيانها طائفية، ولا يحتاج إشعالها إلا تصريح مسرب. كما أن خطاب المقاومة الذي يستخدمه الوزير باسيل، خطاب مفيد لمصالح التيار ورضاء للحزب وصولا إلى طهران، لكنه ليس بخطاب شعبي في الشارع المسيحي، فالتيار لم يرسل مقاتليه لتخليص راهبات مدينة معلولا السورية، على طريقة خطاب حزب الله، الذي قال فيه أنه يدافع عن الأضرحة في سورية. التيار ورئيسه باسيل لم يفهما الرسالة التي سبقت التسريب، حين قام الحريري وعون بتمرير قانون مرسوم الأقدمية الممنوح لدورة ضباط سنة 1994، قبل أن يعطله الرئيس بري من قبل وزير المالية علي حسن خليل، لا على مستوى التوازنات في لبنان، ولا على مستوى الغضب الذي يكرسه التيار في الشارع الشيعي حتى وهو حليف حزب الله. الانتخابات النيابية تعيد أغلب الزعماء السياسيين لخطاب طائفي، فالزعماء المسيحيون على سبيل المثال، يخاطبون الجماهير باعتبارهم المدافعين عن المصالح المسيحية، وهو أمر مقنع لو كان المتحدث من «القوات اللبنانية» أو «الكتائب»، أما أن تكون مدافعا عن المصالح المسيحية ناهيك عن نمط الحياة، فهذا غير مقنع عندما تكون حليفا لحزب الله، الذي سبب الكثير من الضرر لمصالح لبنان واللبنانيين، في المحيط العربي ومؤخرا عبر قرارات أمريكية وبريطانية ضد الحزب.