كلما تطورت حياتنا المدنية وتعقدت، وامتلأت مدننا بساكنيها واكتظت، ازدادت مشكلاتنا الأسرية والمجتمعية والبيئية وتنوعت، وخصوصاً في السنوات الأخيرة حيث تعددت وسائل الاتصال والتواصل وتطورت، وبالرغم من انتشار العلم والمعرفة والتوعية والجهود الحثيثة المتواصلة للأجهزة الأمنية إلا إن الأنفس المريضة المجرمة لا تزال موجودة ومتربصة. وبالنظر إلى منشأ الجرائم والاعتداءات التي تتم بحق الوطن ومقدراته إنسانه وحيوانه بره وبحره وجباله وصحاريه ومنتزهاته، نجدها تصدر عن أشخاص هم جزء منا ويعيشون بيننا، يعرفوننا ونعرفهم، يتحملون مسؤوليتنا ونتحمل مسؤوليتهم، ولكن غياب ضميرنا ووعينا واعتمادنا الكلي على رجل الأمن الرسمي في ضبط السلوك الفردي والجمعي، أتاح الفرصة لهم ليوقظوا ما في عقولهم وصدورهم من أفكار شريرة ويعملوا على تطبيقها على أرض الواقع في صورة قتل وتدمير وتخريب وسرقات وسلوكيات شاذة وانتهاكات للآمنين المستأمنين من البشر والحيوانات والأشجار والجبال والمنتزهات والممتلكات. وهكذا فإن الحاجة أصبحت ماسة أكثر من أي وقت مضى لوجود نظام أمني مجتمعي شامل ومساند للأجهزة الأمنية الرسمية يمتد قوته من أفراد المجتمع أنفسهم، وعن طريقهم يستبق الأحداث والمشكلات والجرائم ويعمل على وأدها في مهدها، يزرع الطمأنينة بينهم ويخلق المودة والاحترام المتبادل والثقة فيهم، يجمع المعلومات منهم ويكتب التقارير نقلاً عنهم، يعمل على توعيتهم أمنياً وأسرياً واجتماعياً وبيئياً، ينشر الفرح بينهم ويطمئن على صحتهم، ويشاطرهم أحزانهم ويقف معهم في مصائبهم وكوارثهم، ويعينهم على انتهاج سلوك المواطنة الصالحة بطريقة الثواب والعقاب والعصى والجزرة ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة! إنه جهاز الشرطة المجتمعية Community Policing الذي طبقته الكثير من الدول البعيدة والقريبة وأثبت نجاحه في خفض معدلات الجريمة والتعدي على ممتلكات الأوطان ومقدراتها وقيمها وتراثها، يقول المثل: درهم وقاية خير من قنطار علاج، إنه الجهاز الذي سبق أن درسته ووضعت نظامه وزارة داخليتنا الموقرة، إنه الجهاز والفلسفة والمشاركة والثقافة والمسؤولية الأمنية المجتمعية والوطنية الذي ننتظر تطبيقه في هذا العهد المبارك عهد ملك الحزم والعزم حفظه الله ورعاه.