الإعلام صناعة «محتوى» ليس وسيلة نشر المرئي أو المسموع أو الورقي أو الإلكتروني أو تطبيقات الهواتف الذكية أو حسابات وسائل التواصل الاجتماعي جميعها ليست سوى منصات وأدوات للنشر والوصول للمتلقي، لذلك أستغرب ممن يتعامل مع المؤسسات الصحفية القائمة كأدوات نشر ورقية خالصة ويهمل مسألة المحتوى ! معظم الصحف الورقية الرئيسية اليوم تملك مواقع إلكترونية وتطبيقات نشر وحسابات في وسائل التواصل الاجتماعي فاعلة يتابعها الملايين وتتفوق في مهنية ومصداقية وقوة محتواها على كثير من الصحف الإلكترونية الهشة التي تعتمد على تدوير واقتباس الأخبار، وعندما تتوقف إصداراتها الورقية فإنها ستعزز حصتها في النشر الإلكتروني مما سيؤثر سلبا على الصحف الإلكترونية القائمة باستثناء المتخصصة منها، وبالتالي فإن الجدل يجب ألا يتعلق بانتهاء حقبتها وإغلاق أبوابها وفقدان مئات الصحفيين السعوديين لمصادر رزقهم، بل بتحولها الرقمي الذي يبقي ثقلها ككيانات صحفية تملك الخبرة والمهنية في عالم الإنترنت الفوضوي الذي تعصف به رياح عدم المصداقية من كل جانب ! مسألة مهمة يجب التوقف عندها، وهي مصادر الدخل، فإذا كان الإعلان هو مصدر الدخل الرئيس للصحافة الورقية طوال عقود من تاريخها، فإن الخبر أصبح هو مصدر دخل معظم منصات النشر الإلكتروني، وهذه مسألة خطيرة تهدد مصداقية ومهنية العمل الصحفي، فإذا كانت الصحافة الورقية في السابق تخضع لسطوة ونفوذ المعلن، فإن الصحافة الإلكترونية ستخضع لسطوة ونفوذ مصادر الأخبار التي ستدفع مقابل نشر وتسويق وتلميع أخبارها ! ما أقترحه هو دعم الكيانات المؤسسية لبعض الصحف الناجحة بمساعدتها على استكمال تحولها الرقمي، وتعديل نظام المؤسسات الصحفية بما يسمح بدخول مستثمرين جدد وخروج المستثمرين التقليديين الذين احتلبوا الورق حتى آخر قطرة حبر، والاستفادة من تجارب الصحف الأمريكية التي نجحت في التوظيف الرقمي لتجاوز أزماتها دون أن تفقد هويتها الورقية، لأن خلاصة الإعلام في النهاية هو «المحتوى» وليس وسيلة النشر !