أقر أستاذ السرديات المعاصرة والمسرح بجامعة الملك عبد العزيز الدكتور حسن النعمي بتغلب الايديولوجيا على الإنسان الكاتب وأن تجربته ذاتية وليست جمعية واذا كانت جمعية فهو ينطلق من رؤية سردية كثيرا ما تكون مؤدلجة مثل كثير من كتاب المدارس الأدبية المؤدلجة ومنها الأدب القومي والأدب الإسلامي وغيرها من المدارس الأدبية. وتحدث الدكتور النعمي خلال المحاضرة التي ألقاها بالنادي الأدبي الثقافي بالطائف مساء أمس (الإثنين) حول المفاهيم السردية عن مثلث الكاتب والقارئ والنص، وقرر أن على القارئ مسؤولية كبرى في استقبال النص حيث أن البعض يبحث عن لذة التذوق الجمالي لبناء النص فتكون العلاقة بينه وبين النص السردي علاقة جمالية، وهناك نزعة أخرى وهي نزعة الفضول وهي غالبًا ما تكون عند العامة، وهذا ما يجعلهم يتابعون المسلسلات والدراما بكثرة حيث تنتهي بنهايات ترضي المشاهدين بنهايات سعيدة وهي انتصار الحق أو البطل في نهاية المسلسل، قائلاً: "إن الرواية الحديثة تتمرد على هذه النهايات السعيدة". وتطرق إلى مصطلح سرد الوقائع ووقائع السرد، مبينًا أن سرد الوقائع هو سرد تاريخي، مستشهدًا بمسلسل الحجاج بن يوسف الثقفي وإعادة صياغة التاريخ في هذا المسلسل وإعادة انتاجه بما يعطي صورة جديدة لهذا التاريخ، ثم تحدث عن العلاقة بين السرد والتاريخ. وافترض أن لا تعكس الرواية ما يحدث في الواقع لأنها تكتب واقع موازي وليس مطابق للواقع لأنها تعبر عن ذات صاحبها تجاه المجتمع والكون والحياة، قائلاً: "إن مهمة الفنون ليست عكس الواقع ومطابقته له"، ثم طرح سؤال هل النص السردي ساكن أم متحرك ؟ وأوضح أن النص السردي متحرك وأن الذي يحركه فعليا هو القارئ والنص يحيا بالتلقي و بالقراءة والقارئ، وكلما تعددت القراءات كلما تحرك النص وازدادت حركته بهذه القراءات، ثم تحدث عن خطورة الأيديولوجيا على الكاتب والقارئ والنص و تحدث عن الفنون والواقع وأن الفنون أقرب الى المنطق وما يجمع بين الفن والمنطق هو الواقع الموازي وليس الواقع الحقيقي. وعرج على مفهوم السرد وتعريفه اللغوي والإجرائي، حيث تحدث عن السرد والوصف في الرواية وعن التوازن في الرواية من حيث البنية والطول والقصر واشباع البنية الوصفية للعمل وتحمل النص لهذه البنية من ملامح البيئة الزمانية والمكانية وأن الإغراق والإطناب في البنية الوصفية قد يؤدي الى ترهل النص وعدم تحمل بنيته الأساسية للبنية الوصفية والإغراق فيها. وأضاف: "أن الصراع مع السرد بدأ منذ نزول الوحي، حيث نفى القرآن أن يكون النبي شاعرًا والمقايسة على التجارب السردية، إذ لم تحظ الفنون السردية بالاهتمام في التراث العربي بل أنها هوجمت وتم الربط بين الكذب والقصص بسبب مزاحمة القصاص للوعظ ورجال الدين على المنابر. وذكر اهتمام الدولة الأموية بالقصص، ولمحة تاريخية عن تطور القصص والسرد في تراثنا العربي ومنع الدولة العباسية للقصص والقصاص في فترة من فتراتها، وتحدث عن عصر النهضة في القرن التاسع عشر والتفات العرب للفنون السردية، إذ اهتموا بالمقامات ثم بعد ظهور المد الناصري تم الاهتمام بالسرد وظهور الكتاب والروائيين من منظور قومي، كما تحدث عن مصطلح الشعر مقابل السرد ورفض أن تدخل الفنون السردية تحت مصطلح النثر. و تساءل: "من هو سيد المعنى في النص السردي؟"، مقررًا أن سيد المعنى هو القارئ وأن الرواية لا تحمل الصدق أو الكذب لأنها لا تعكس الواقع. وتحدث عن الإشكالية بين الكاتب والقارئ والكاتب الحقيقي والكاتب الضمني والقارئ الحقيقي والقارئ الضمني، موضحًا أن وجهة نظر الكتاب تتغير بتغير أعمالهم وخصوصًا الكتاب المتحررين من الإيديولوجيا، فيصبحون كتاب ضمنيين متحركين مع نصوصهم. وقال: "إن السرد يمكن أن يكتب خارج اللغة مثل التشكيل وبعض الفنون السينمائية". من جهته، فتح مدير اللقاء قليل الثبيتي الباب للأسئلة والمناقشة ومداخلات الحضور، إذ علق الحضور من الصالتين على ما طرحه الدكتور النعمي مع بروز مشاركة فاعلة من أعضاء جماعة فرقد الإبداعية بالنادي في طرح الأسئلة ونقاش أفكار المحاضر.