تداعيات الأحداث تبرهن على أن لا شيء يدوم.. خاصة في السياسة.. ما نشهده في اليمن منذ بداية الأحداث حتى يوم الجمعة الماضي.. كان عبارة عن مناورة بين محورين عاشا فترة على وفاق، ثم ما لبث الواقع أن فرق بينهما (ولله فى خلقه شؤون). لا بد من صنعاء وإن طال السفر تلك عبارة أطلقها الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله -.. وذلك أنه كان يريد سؤالَ عبدالرزاق الصنعاني المحدث الشهير عن حديث.. فقيل له إنه قد حجَّ وإن باستطاعته أن يسأله هناك في مكة.. فأجابهم: (لا بد من صنعاء وإن طال السفر).. ويقصد بذلك أن العلم يستحق أن يُرحل له وإن كان إلى أقاصي البلاد ولمسافات طويلة. أردت هنا من ذكر هذه الرواية لكي أبرهن على التاريخ.. التاريخ الذي احتفى باليمن السعيد.. الذي كانت طبيعته تتفجر هبة وعطاء من الرحمن، فمن الأمثال الشعبية (لا طال بلح الشام ولا عنب اليمن)، وهو عن الإنسان الذي يتأمل بأمرين (ويطمع) ويريد أن يختار أحدهما ويخسر الأمرين.. وتاريخ اليمن تاريخ حافل ويرصد حضارته عبر التاريخ ونبغ منه رجالات العلم والأدب والحديث.. وخاصة الثقافة الإسلامية ويعود لهم الفضل (الحضارم) في نشر الإسلام في بقاع كثيرة من الأرض من خلال حركة التجارة خاصة في شرق آسيا.. ولكن السنوات الأخيرة كانت سنوات عجافا، جف فيها الضرع ومات الزرع. في العهد القريب شهدنا تحولات مزرية ومخيفة، كانت السبب في ذلك إيران التي تبحث عن أطماعها وتحلم بأن تعيد امبراطورية فارس التي دك حصونها عمر بن الخطاب رضوان الله عليه.. وشهد العالم بأسف وحرقة حالات التمزق والتشرذم.. إذ إن السلطة تتنازعها ثلاث جهات؛ السلطة الشرعية والتى انقلب عليها علي عبدالله صالح والحوثيون الذين أبرموا اتفاقية تعاونا فيها على الخروج على السلطة الشرعية للبلاد ومحاربتها بكل ما أوتوا من قوة.. معتمدين على المد الإيراني العبثي الذي مزق أهل الشام وأهل العراق.. والآن يعيث فسادا في اليمن.. لم يخشوا الله في الصغار ولا في الشباب ولا في الشيوخ.. الأمر الذي بلغ معه السيل الزبى.. فأفاق علي صالح من سباته الليلي وتبرأ من الحوثيين وصاح في حزبه وفي أنصاره بأن هبوا في وجه الحوثيين.. وكان أن استجابت لصرخته المدن اليمنية وانتفضت انتفاضة عارمة.. وذلك رد فعل طبيعي لانتهاكات الانقلابيين بدعم إيران للبلد عامة وهدم معطياته الثقافية والعلمية والتاريخية وآثار اليمن السعيد.. وبدأت الرؤوس تتهاوى وتسقط في الساحة. القرار الحكيم الواعي ذلك هو قرار الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، الذي طلب من الجميع الالتفاف حول الشرعية وصيانة كرامة اليمن واليمنيين والحفاظ على الوحدة الوطنية.. وأصدر عفوا عن كل من يلتف حول الشرعية.. وسبحان الله إذ لا يصح إلا الصحيح هكذا انقلب السحر على الساحر.. وبكل أسف فإن الأبرياء من أطفال اليمن وشبابه وشيوخه ونسائه ورجاله هم الذين يدفعون الثمن المر مرارة العلقم. عبدالله صالح يفيق من رقدته ويصرح قال الرئيس السابق إن زمن الميليشيات انتهى في اليمن وإن الفضاء الطبيعي لبلاده هو الفضاء الخليجي. مشيرا إلى أنه مهما حدثت من خلافات مع دول الخليج فلا بد من الاتفاق والتعاون.. أكد أن اليمن لا يستقيم بمعادلة «دويلة داخل دولة». ولا يمكن أن يكون هناك تعايش بين الدولة والميليشيات. فلا بد أن نفعل ما فعلناه لأن التاريخ لا يرحم. هكذا وما بني على باطل فإنه سرعان ما يتهدم على رؤوس من بنوه.. عجل الله بالأمن والأمان واحترام المصلحة والحياة السعيدة.. حتى يعود اليمن السعيد إلى اعتناق نظريته القديمة. اغتيال علي عبدالله صالح سيوحد اليمن أم يفرقها؟ بالأمس اهتزت اليمن لحادث ربما كان كارثة غير محسوبة عواقبها.. والسؤال الذي يفرض نفسه هل يكون ذلك الحدث مدعاة لوحدة اليمن وائتلاف كلمته.. أم هو شرخ كبير تصعب معالجته.. ومن يعش ير.. وحسبي الله ونعم الوكيل. [email protected]