ظواهر اقتصادية عالمية عديدة تظهر من فترة إلى أخرى، يندفع لها صغار المستثمرين الذين يملكون فائضا بسيطا من أموالهم بهدف تنمية هذه الأموال بسرعة والحصول على عوائد مالية كبيرة، ومن أبرز الأمثلة على ذلك هو ظهور عملة جديدة لم يعهدها الاقتصاد العالمي سابقا وهي عملة «بيتكوين» التي ظهرت في عام 2009، حيث صممها شخص مجهول الهوية أطلق على نفسه (ساتوشي ناكاموتو)، وهي تعد أول عملة مشفرة أو إلكترونية يتم تداولها عبر شبكة الإنترنت بشكل كامل دون وجود مادي لها، ودون وجود هيئة تنظيمية مركزية تشرف عليها، فهي العملة الافتراضية التي تعمل وفقا لنظام لا مركزي حيث يتم تبادل هذه العملة بين طرفين فقط دون وجود وسيط، وتسمى هذه العملية (الندّ بالندّ)، وبدون تحمل أي رسوم تحويل بين حساب وآخر، كما يمكن استخدامها للشراء والبيع عبر الإنترنت، ويمكن تحويلها إلى عملات أخرى في بعض الدول الأوروبية وقبض ثمنها بعملات حقيقية مثل الدولار والين والإسترليني وغيرها. ومنذ إصدار عملة «البيتكوين» فإن عمليات التداول بها تزداد يوما بعد يوم وذلك بسبب عدم ارتباطها بموقع جغرافي وعدم وجود الضوابط المالية وعدم اعتمادها على الوسيط المالي وكذلك تداول الشائعات باعتمادها في بعض الدول أدى إلى زيادة التعامل بها، حيث وصل سعرها في شهر نوفمبر الماضي إلى 9845 دولارا بنسبة ارتفاع 65%. ويمكن شراء «البيتكوين» من مواقع خاصة منتشرة في بعض الدول التي ينتشر بها استخدام هذه العملة مثل ألمانيا والسويد والصين واليابان والولايات المتحدة، حيث يتحدد سعر صرف هذه العملة من خلال العرض والطلب على العملة في السوق، وهذا ما يشكل مخاطر كبيرة نتيجة استخدام هذه النقود الافتراضية والتقلب المفاجئ في قيمتها وعدم ربطها بسلع مثل الذهب أو ربطها بعملة حقيقية مثل اليورو أو الدولار، مما يعرّض المستثمرين بها لخسائر فادحة ناتجة عن تراجع قيمتها. وكذلك تشكّل خطورة على السلطات النقدية فتهدّد الاستقرار النقدي بعدم قدرة السلطات النقدية المحلية بالتحكم في عرض النقود، وكذلك من أبرز المخاطر عند استخدامها هو تعرّض المحافظ الاستثمارية للأفراد لعمليات القرصنة الإلكترونية وسرقة أموالهم أو تعرضهم للاحتيال والنصب، وستزيد كذلك من عمليات تهريب الأموال واستخدامها كغطاء لعمليات غسل الأموال والتجارة غير المشروعة، فهي عملة مشفّرة يصعب التعرف على صاحبها وكذلك ليس لها دليل تسلسلي لتعريفها. إن من واجبي كاقتصادي متابع لتوقعات المحللين الماليين الدوليين أن أحذّر المواطنين من التورّط والتعامل بها والتريث في استخدامها، حيث إن معظم التوقعات الاقتصادية تحذّر من انهيارها المفاجئ بعد الارتفاع الكبير والملحوظ الذي طرأ عليها في الآونة الأخيرة، وحيث إن مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) حريصة كل الحرص على سلامة الأوضاع المالية والبنكية في المملكة فهي كذلك تحذّر من عواقب سلبية لتداول هذه العملة الإلكترونية، خاصة أن معظم دول العالم لم تصدر اعترافا رسميا بها. ولا يمكننا أن ننسى الانهيار الكارثي لسوق الأسهم السعودي في عام 2006 الذي كان ضحيته العديد من المستثمرين، حيث بلغت الخسائر الاقتصادية آنذاك نحو تريليوني ريال. وإن كنت أعلم أن قرار الاستثمار للفرد والمؤسسة والشركة هو قرار خاص، وهم المسؤولون عن نتائج قراراتهم الاستثمارية، إلا أنه من الواجب علينا وعلى وزارة التجارة والاستثمار ومؤسسة النقد وهيئة المؤسسات الصغيرة الإفصاح عن بعض مناطق الاستثمار غير الآمنة والتحذير من الاستثمار في بعض أوجه الاستثمار المحلية والدولية غير المضمونة أو غير المراقبة من جهات الاختصاص حتى لو كانت تحقق أو حققت نتائج أرباح خيالية لبعض المستثمرين، إلا أن الآثار السلبية عند وقوع الكارثة تكون على صغار المستثمرين وعددهم كبير، وعندها تقف الجهات الرسمية المحلية والدولية غير قادرة على التدخل لتعويض الخسارة، وأمثلة الكوارث المماثلة عديدة في جميع أنحاء العالم، وأتوقع أننا سنرى قريبا كارثة «البيتكوين» على جميع المستثمرين فيها. وإذا جاز لي الاقتراح فإن الانسحاب في الوقت المناسب قد يكون هو القرار الصائب، لاسيما أن سعر «البيتكوين» وصل إلى قمته الآن. * كاتب اقتصادي سعودي