وسائل التواصل الاجتماعي لا تزال في طور التشكل والتكوّن والتغيّر حسب الوعي المجتمعي، والقيم الذاتية للأفراد، وسلوكيات الجماهير الانقيادية. العالم الافتراضي أصبح متاحا للجميع، وصحافة الأفراد عادت مرة أخرى بواقع أقوى وأكثر استقلالية؛ وربما مزاجية. وأصبح لذلك العالم الافتراضي مواطنون؛ بعضهم لا يعرف وسائل التواصل القديمة: الرسائل البريدية الورقية، الصحافة الورقية، الراديو، التلفزيون.. فهو مواطن ولد ونشأ في ظل العالم الافتراضي الرقمي؛ (مواطن رقمي). والبعض الآخر -من الأكبر سنا- عاشوا الواقع ثلاثي الأبعاد بكل قيمه وأخلاقياته وضوابطه.. ثم هاجر إلى الواقع الافتراضي؛ (مهاجر رقمي)، تظهر عليه (لكنة) حين يحاول أن يتحدث في العالم الافتراضي. ورغم تذمر هذا المهاجر وانتقاده للعالم الافتراضي إلا أنه يعرف جيدا أن الهجرة ليست خيارا.. فالحياة أمام الشاشة تفوقت كثيرا على الحياة الحقيقية. ما يفتقده الناس في واقعهم أصبحوا يبحثون عنه في (الافتراضي). لهذا، تأتي السخرية من الافتقاد واضحة في البث المباشر لوسائل التواصل الاجتماعي. ويتصدر التحرر من قيم المجتمع وعاداته وتقاليده (الأكثر متابعة) سواء بالسخف أو السماجة أو التسطيح.. أياً كان.. ف(البطولة) المنشودة تتمثل في التحرر من القيم.. والاستهزاء والتشفي في قوانين متكلفة حد الوهم. في (الفيس بوك)، يظهر الجميع على أنهم سعداء.. وأن حياتهم مثالية: صور رحلات، حفلات، مناسبات.. الكل مبتسم وسعيد، رغم أن واقعهم قد يكون تعيسا حد الكآبة.. لكن الجميع ينقاد خلف هذا السلوك الجماهيري ليبدو سعيدا كالآخرين. الاستخدامات في بعض التطبيقات الأخرى مثل: السناب تشات والانستجرام.. ليست بعيدة عن هذا المفهوم.. الظهور سعداء في الافتراضي، وفي الواقع على أكتافهم تعاسة الدنيا. تويتر.. أخذ منحى آخر. كل الإحباطات والسقطات والإسقاطات تُمارس فيه. وجه معاكس؛ فضيلة مبالغ فيها لا تمثل الواقع.. لكنها (تكفير) لخطاياه: أدعية وآيات وأحاديث وأذكار ونصائح لا يمكن تطبيقها على الواقع.. إضافة إلى النقد والشائعات التي تخدمها رغبة الأفراد في تصديق أنهم يعيشون المدينة الفاضلة. قوانين لعبة التواصل الاجتماعي متفلتة وزئبقية من أساسها. كلما وضع لها قانون أو نظام تفلتت منه وخرجت بشكل جديد. الحل ليس في الوسيلة ولكن في المرسل ذاته.. أي الارتقاء بذائقة المجتمع وثقافته ووعيه.