أشهر جبال الأرض وأعظمها مكانة وتاريخا، وما شهد فيه نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم، بأول آيات القرآن الكريم (اقرأ باسم ربك الذي خلق) والتي غيرت مجرى التاريخ، جبل النور ذلك المعلَم الذي نشأت منه أعظم الحضارات التي عرفتها البشرية «الحضارة الإسلامية»، والمزار الأول لضيوف الرحمن عند قدومهم إلى العاصمة المقدسة، من خلال الصعود إلى القمة والوقوف على أطلاله واستذكار تاريخه. مع كل تلك المكانة، نجد بعضا من أصحاب النفوس الضعيفة، يستغلون تعلق الزائرين إلى ذلك المعلم التاريخي، لجني مكاسب غير شرعية تدر عليهم آلاف الريالات بشكل يومي، نظرا إلى كثرة الوافدين إلى الجبل من الزوار والمعتمرين، وسط التساؤلات عن غياب الجهات الرقابية والتطويرية. جولة «عكاظ» صورت المشهد على الجبل، ووثقت كل الخطوات من أسفله وحتى أعلى قمته، وكيفية تربص المتسولين بالزوار واستنزاف جيوبهم، مستغلين تعلقهم بهذا المعلم التاريخي. حركة السير متعطلة يقع جبل النور شمال شرقي المسجد الحرام، ويطل على طريق العدل، وسمي بهذا الاسم لظهور أنوار النبوة فيه، إذ كان النبي يخلو فيه بنفسه للتعبد قبل البعثة، يبلغ ارتفاعه 642 مترا، وينحدر بشدة من 380 مترا حتى يصل إلى مستوى 500 متر، ويستمر في الانحدار على شكل زاوية قائمة حتى قمة الجبل وتبلغ مساحته 5 كم و250 م2، وتشبه قمته الطربوش أو سنام الجمل. الطريق الواصل بين أسفل الحي والجبل غير مؤهل تماما، إذ يعيب على كثير من جوانبه الضيق في المساحة، وبالتالي توقف الحركة المرورية وتعالي أصوات التنبيهات، الأمر الذي أزعج الكثير من الأهالي القاطنين أسفل الجبل، بل إن بعض الزوار استغربوا شكل الطريق، مؤكدين عدم صلاحيته لأن يكون منفذا رئيسيا إلى الجبل الذي يحتضن الغار المبارك. يقول محمد أرشد أحد الزوار من باكستان إن توقف الحركة في كثير من أجزاء الطريق، تسبب في تأخره عن أصدقائه الذين سبقوه في الذهاب إلى أحد المعالم التاريخية الأخرى في مكةالمكرمة، وطالب أرشد بضرورة توسيع الطريق وإقامة مواقف خاصة للسيارات أسفل الجبل، لأنهم يحتاجون إلى من يقلهم ويخرج بهم بشكل سلس من الموقع، دون تعطيلهم في الزحام. من جهته، قال أحد أهالي جبل النور إن حيّهم يتحول في المواسم إلى كتلة زحام شديد من قبل الباصات الكبيرة، والتي تبحث عن مواقف لها فلا تجد إلا أمام منازلهم، وبالتالي تعطيلهم عن مشاويرهم ومصالحهم، مؤكدا أن هذه الحال ظلت معهم منذ عشرات السنين، متمنيا إيجاد حلول لنقل الزائرين بشكل عاجل، وإراحتهم من هم إغلاق الطرق عليهم، إذ إن الصعود إلى أعلى قمة الجبل يحتاج إلى قوة وصبر وتحمل لذلك نجد الكثير من زائريه على جنبات الطريق يستريحون من شدة العناء. الاهتمام بالمكانة والتاريخ تكثر المطالبات بضرورة الاهتمام بمثل تلك المواقع التاريخية وتأهيلها بشكل جيد، وإيجاد وسيلة نقل لزائريها إلى القمة، كتوفير تلفريك يريح الكثير من التعب والجهد والمشقة، خصوصا كبار السن والعجزة الذين يأخذون ساعات طويلة في الصعود إلى الجبل والنزول منه، تصل إلى نهار كامل. في المقابل، يتعرض المكان التاريخي الطاهر للإهمال من قبل زوّاره، من حيث تراكُم النفايات والأوساخ بشكل يُثير الاستهجان، ويتزايد يوميا من قبل الزوار، وسط غياب التدخل من قبل أي جهة مسؤولة، وبدلا من أن تكون العناية بهذا المكان بأجمل صورة، يشعر الناظر إلى الحالة التي تُرك بها الجبل بالأسف، فلا تنظيم ولا عناية من قبل الزوار، كما تكثر على جنبات المكان وفي داخله عُلب المياه الفارغة والأكياس وغيرها الكثير من النفايات، إضافة للكتابة والرسم على جدران الغار بصورة غير مفهومة ولا يقبلها العقل. تحايل على الزوار ينتشر المتسولون على طول الطريق ما بين أسفل الجبل وأعلاه، ولكل منهم طريقته الخاصة، فهناك من يتستر بالحجاب كاملا دون ظهور أي ملامح من وجهها وشكلها، وآخرون يستغلون فقدهم أعضاءهم في التسول وطلب المساعدة، والبعض يتظاهر بعدم القدرة على النهوض والاكتفاء بالتمدد على ظهره ورفع يده للزوار، حتى أن الكثير منهم يجلس في قارعة الطريق ويضايق المارة الذين يتحولون عنه يمنة ويسرة، إضافة إلى من يدفع بأطفاله الصغار من أجل التسول وكسب المال، دون الإحساس منهم بأن مثل هذه التصرفات تسيء للمكان وقداسته. كتابة على جدران المكان وأعلى مدخله بطريقة عشوائية وألوان بدائية تشوّه صخور الجبل، ناهيك عن المظلات العشوائية على طريق الصعود والمخلفات المتناثرة في كل مكان، مما يشوه هذا الأثر التاريخي المهم. من جهة أخرى، تجد في أعلى قمة الجبل وبالتحديد عند الغار التزاحم وتعالي الأصوات في سبيل الفوز بركعتين في الغار، الأمر الذي استغله بعض من العمالة المخالفة في التظاهر بأنها مسؤولة عن تنظيم الزيارة ومحاولة إرشاد وتوجيه من يريد الصلاة فيه، وتصديقه من بعض من الزوار ودفعه للحديث معه في أن يسمح لهم بالصلاة عند الغار، إذ يحاول ذلك المتسول جاهداً مع الزوار الذين يطلبون مساعدته في الصلاة لإتاحة الفرصة لهم بالدخول إلى داخل الغار والصلاة فيه، وعند خروجهم ينتظرهم ويباشرون بدفع نقود له مقابل خدمته لهم. تنظيم الصعود مطلب من جانب آخر، أشار كل من جلال إحسان، وحمزة عبدالرحمن إلى أن «جبل النور» يستحق من العناية والاهتمام ما ناله غيره من الأماكن والمعالم التاريخية المرتبطة بالسيرة النبوية الشريفة والتاريخ الإسلامي، والتي طمس الكثير منها على مر الأيام والسنين، ولا يحتاج جبل النور إلى الكثير حتى نحافظ عليه كمعلم تاريخي وديني، إذ يمكن ذلك من خلال العناية بتعبيد ونظافة طريق الصعود إلى غار حراء، مع تنظيم تلك العملية للراغبين في ذلك، وإزالة التشوهات التي لحقت بصخور الجبل من طلاء وكتابات، ويمكن وضع موجهين شرعيين لشرح المعالم للزائرين، ومنعهم من ممارسة أي صلوات أو شعائر تخالف ما ورد عن المصطفى صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح. وتابع عبدالله سليمان أن التلفريك هو الحل الوحيد الذي سيعمل على القضاء على ما يصاحب هذه الأماكن من خزعبلات وأفكار خاطئة كالتبرك من قبل الزوار إضافة إلى حماية الزوار وعدم المخاطرة بهم نظرا إلى مشاق الطريق ووعورته. طرق مختلفة للتسول أشكال متعددة لعمليات النصب والتحايل من قبل العمالة المخالفة، تختلف حسب المواقع المقصودة في مكةالمكرمة، وجميعها تهدف إلى استنزاف الزوار واستغلال تعلقهم بالأماكن المقدسة، فهنالك من يتظاهر بعمل صيانة للطريق، وآخر يتظاهر بأنه مسؤول النظافة ومعه كامل عدته وينظف بطريقة عجيبة إذ ترصد أعينهم المارة وتتابع تحركاتهم، وتمثلت أهم الطرق لاستنزاف جيوب الزوار وأخذ أموالهم، بعمل حفر صغيرة وملئها بالماء، من أجل تجمع حمام الحرم عندها والتظاهر بالعناية بها وبأنهم مسؤولون عن هذه البرك الصغيرة وإسقاء الماء للحمام، الأمر الذي في مقابله يغدق الزوار عليهم بالمال، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، إنما هناك من يجلب أكياس حب صغيرة تباع من أجل رميها للحمام وإطعامها، فتجد كثيرا من قاصدي الجبل يتوجهون إليهم لمنحهم النقود مقابل الخدمات التي يقدمونها لحمام الحرم.