بعيدا عن التراشق اللفظي، بعيدا عن الاتهامات والتشكيك، وقريبا من الهم التربوي، ومصير الأجيال القادمة، دعني أطرح عليك هذه الأسئلة المشروعة يا سعادة الوزير: أولا: ماذا فعلت في ما يتعلق بتعزيز القراءة الحُرة لدى الطلاب في زمنٍ أصبحت المعرفة ذاتية؟ ثانيا: جاء في تقرير التنمية الثقافية لعام 2011 الصادر عن مؤسسة الفكر العربي أن الفرد العربي يقرأ بمعدل ست دقائق كل سنة بشكل حُر، ما يعني أن مدرسينا -باعتبارهم من أفراد الوطن العربي- هم مروجون بارعون للجهل، فلِمَ تغضب أمام هذه الحقيقة يا سعادة الوزير؟ ثالثا: كنتُ أنا شخصيا أحد المنتمين للسلك التعليمي، ودعني أسرد لك هذه الحكاية الشيقة التي كتبتها قبل عامين في إحدى الصحف المحلية، تقول القصة: «أحد المعلمين رآني يوما أقرأ أحد الكتب المرشحة لجائزة البوكر، شعرت أمامه لفرط ابتسامته الصفراء ووجهه الذي أصبح دورة دموية تقوم بتدوير اللون الأحمر بشكل سريع بأني أقرأ إحدى المجلات الإباحية، وأنه كان عليّ أن اتخذ مزيدا من الحذر والاختباء كي لا يعرف. لم أستوعب. أعني لم أعرف لماذا هذا الغضب المختبئ بطريقة مفضوحة، إلا لاحقا عندما شاهدني أُعطي أحد الطلاب رواية البؤساء لفيكتور هوغو.. عندها.. عندها فقط استوعبت الأمر، إنني وفق رأيه أقوم بتهديد فكري وأمني لعقول طلابنا الذين تتآمر عليهم الأمم والجبال والبحار والمسطحات الخضراء وإشارات المرور والشوارع ومحلات الأحذية». وبعد هذه القصة يا سعادة الوزير، دعني أسأل سؤالا غارقا في البراءة: من أين أتى هؤلاء؟ وكيف تم توظيفهم؟ وهل يخضعون لاختبارٍ نفسي وثقافي قبل أن يتولوا هذه المهمة العظمية؟ رابعا: لا أنكر وجود مدرسين يدخلون في قائمة العظماء، أعرف كثيرا منهم، لكني في نفس الوقت أعرف كثيرا من السيئين أيضا، ففي كل وقت فراغ كنت أحظى به كمنتسب تعيس للسلك التعليمي، كنتُ أذهب إلى غرفة المدرسين، وهناك في تلك الغرفة لم تكُن الهموم حاضرة ولا الأحاديث التربوية، كان فقط الحاضر وبقوة هو: «سعر الخيار، الطماطم، زواج المسيار، خبز التميس... إلخ». خامسا وأخيرا: هل أنت سعيد يا سعادة الوزير أمام كل هذه المآسي؟