ثمة تحولات اجتماعية وتبدلات فكرية لها دورها في تشكيل المدارس الأدبية والتيارات الفكرية والمجتمعات الثقافية. ولا يتعلق الأمر فقط بسياق «التحول الاجتماعي»، ولكن أيضا بالكيفية التي ينظم بها العمل الثقافي ويمارس من خلال الفاعلين الثقافيين كلما كان التفاعل بين التنظيم والممارسة، كما يوضح الناقد المغربي سعيد يقطين، الذي يشترط أن يكون للعمل الثقافي حضور وتأثير في الواقع الاجتماعي التاريخي، ومتى غاب ذلك لم تكن له فاعلية. ولمعالجة واقع العمل الثقافي في الوطن العربي حاليا، يؤكد يقطين أنه «لا بد من الانطلاق من رؤية شاملة وتاريخية تتيح لنا الوقوف على العوامل التي ساهمت في طبعة بالسمات التي يعرفها بهدف البحث عن الإمكانات التي تعمل على تخليقه ودفعه نحو التفاعل مع مجريات التطور التي يعرفها العصر». إستراتيجية ثقافية من جانبه، يطالب الباحث الموريتاني محمد الأمين ولد الكتاب بإستراتيجية ثقافية عربية، وهي الإستراتيجية باتت النخب الثقافية العربية وجماهيرها تتوق إلى وضعها حيز التنفيذ على جناح السرعة، باعتبارها السبيل الأمثل لخروج الأمة من وضعية البيات الشتوي الذي تعاني منه منذ ردح طويل من الزمن. وتتجسد الإجراءات والإنجازات للإستراتيجية الثقافية العربية، كما يوضح ولد الكاتب، في: العناية بأدب الطفل بما يقتضيه من كتب ومجلات ووسائل تسلية وترفية وتربية وتوجيه وتحصين ضد الفكر الهدام والتعصب والتطرف، والعمل على تطوير الفنون الجميلة وتشجيع الإقبال عليها، وتنظيم مهرجانات للفنون الشعرية والنثرية والشعبية، والعمل على تكثيف أعمال الترجمة من وإلى اللغة العربية، وتخصيص جوائز تحفيزية للفاعلين الثقافيين المميزين في مختلف المجالات الثقافية، وتنظيم المزيد من الندوات والملتقيات حول تقييم وتقويم الأوضاع الثقافية في الوطن العربي وسبل النهوض بها، والاهتمام بالمخطوطات من حيث الإحصاء وتطوير تقنيات ترميمها وصيانتها وتحقيقها وطباعتها ونشرها وتوزيعها والسعي لترجمة أهمها، وتفعيل برامج الاحتفال السنوي بالعواصم الثقافية العربية وتوظيفه لتعريف العالم العربي بثقافته واطلاع العالم الخارجي على الموروث الثقافي للأمة العربية، وخلق فضائيات عربية لبث الثقافة العربية، والعمل الممنهج على تقوية إشعاع اللغة العربية، وبلورة برامج ثقافية وعلمية وفنية رفيعة المستوى للتثقيف والتوجيه والارتقاء بالذائقة الفنية، والعمل على تكوين الخبرات والمهارات العالمية في مجال رقمنة المعطيات والصناعة اللسانية وتقنيات تعددية الوسائط وصناعة البرامج، وتشجيع البحث العلمي في مجالات الثقافة التطبيقية وتوسلها في صناعة المحتويات الثقافية والتربوية والترفيهية، واستعمال اللغة العربية في ميدان الصناعات الرقمية، وإنشاء محطة تعنى خصيصا بالشأن الثقافي بمختلف أبعاده. تحول ثقافي الباحث والكاتب سعود البلوي يتطرق إلى «التحول الثقافي والاجتماعي» للمملكة ضمن المشروع النهضوي الكبير في «رؤية 2030»، موضحا أنه «من خلال هذه الرؤية نقترب جدا من تحقيق التنوير الثقافي والاجتماعي، عبر مؤسسات المجتمع الفاعلة، وتحقيق الاستثمار الفاعل للثقافة»، مضيفا «كما أننا نقترب من أن نمثل قطب الرحى في الثقافة الإنسانية، وهذا هو المفترض أن نكون عليه، لما لدينا من موروث ومخزون ثقافي عريق يحتاج فقط إلى الفرصة لكي نعيد إنتاجه من جديد، لنقدم مشعل النور من جديد إلى وطننا ومجتمعنا أولا، ثم إلى هذا العالم ثانيا». أما الباحث الدكتور جاسم الياقوت، فاعتبر أن «الترجمة» واقع ثقافي لنقل تجربة الغرب ونقل تجربتنا لهم، إن أصبحت الكتب تتم في سهولة ويسر بمختلف لغات العالم لتنشط الحركة الثقافية ويصبح بالإمكان مطالعة كافة ثقافات العالم، إذ خصصت ميزانيات كبيرة للترجمة الثقافة وحركة التبادل الثقافي العالمية، لذا وصف مثقفون ونقاد جائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للترجمة بأنها عمل ثقافي وحضاري، تساهم في تحفيز الباحثين والمترجمين على الإبداع والابتكار، من أجل نقل النتاج العالمي والثقافي للحضارات والثقافات الأخرى والعكس، ويتيح فرصة للنهضة الثقافية العربية.