أكثر من 40 عاماً من الارتداد للخلف بهدف استعادة أمجاد الأمة الإسلامية استفاد منها فئة قليلة فأثرت على حساب الوطن والمواطن وأصبح لها الأتباع والمريدون، ولم تقدم أي شيء يذكر غير تراجع كل القطاعات من صحة وتعليم وإدارة واقتصاد، كنّا خلال هذه الحقبة نعيش على خيرات الأرض من بترول ونختلف عن العالم الذي حولنا بخصوصية ادعيناها. ل 40 عاماً كنّا نحارب تعليم البنات ودخلنا في حروب عديدة، الحرب على الدش وقبله الحرب على من قال بصعود الإنسان إلى القمر، كما شنت حرب ضروس على هاتف الكاميرا وحرب على الرياضة والورود المهداة للمرضى، حروب عديدة في صغائر الأمور والتحريم سداً للذرائع بهدف ضبط المجتمع وجعله تحت سيطرة فئة مستفيدة من تدني الخدمات الضرورية للمجتمع وإهمال الأخذ بأعمال القوة التي تلحقنا بالدول المتقدمة شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً، في هذه الحقبة كفرنا المخالف من أبناء الوطن من رافضة كما يقولون ومن صوفيين والأشاعرة، كما تمت محاربة النشيد الوطني واليوم الوطني، وتم تقسيم المجتمع وتعطيل نصف المجتمع، وباسم الفضيلة حرمت المرأة من حقوقها فلم تمنح بطاقة الهوية الوطنية حتى وقت قريب نسبياً. في ظل هذه الأوضاع فقدنا الريادة في المنطقة في كل المجالات تقريباً إدارياً وتعليمياً وصحياً وإعلامياً، وأصبحنا نعتمد على ما يخرج من بطن الأرض وليس على عملنا وجهدنا وما تنتجه أيدينا، ووضعت كل المعوقات التي تمنع وتحرم وتجرم الإبداع من فن وموسيقى، وفي هذه الحقبة من الزمن تمت محاربة القوة الناعمة التي اضطرت أن تهاجر للخارج وتعمل في الدول المجاورة أو البعيدة. وأصبحت تجارة الدين رائجة واستخدمها الأعداء والمتربصون لإثارة الفتنة والإضرار بالسلم الاجتماعي والأمن القومي، ووضعت برامج للخارجين على القانون بهدف نصحهم وإرشادهم بدلا من تطبيق القانون عليهم. في هذه الحقبة التي سرقوا فيها الزمن كما سرقوا الفرحة كان صوت هذا التيار عالياً مدوياً يفرض شروطه ويخطف عقول مريديه وتابعيه، وكم من المآسي والفظائع ارتكبت في ظل سكوت وتبرير فئة من المجتمع لأفعالهم، في حين أن آخرين أقفلوا عقولهم قبل عيونهم، فلا صوت يعلو فوق أصوات وأقوال هذه الفئة المرتدة للخلف التي روجت ونشرت الكراهية والعنصرية والعصبية والطائفية ومزقت النسيج الاجتماعي بأطروحاتها وأدبياتها وألبستها لباس التدين. حساب الخسائر فادح ويكاد يكون حساب الأرباح مفقوداً، والخطير والأخطر أن من اعتنقوا هذا النهج أو اقتنعوا به لا يستطيعون ولا يقدرون على تقييم مشروعهم الذي فرضوه على المجتمع. نحن اليوم في حاجة ماسة لإعادة النظر في كل ما نتج وما أفرزته «الصحوة» من أضرار ومن أنظمة تبنتها وعملت على تكريرها من خلال شبكاتها المتشعبة في المجتمع، والتي ألبستها اللباس الديني من أجل إسكات صوت العقل والحكمة. من الضروري مناقشة هذا الموضوع في وسائل الإعلام وعمل ندوات برعاية الدولة لمراجعة كل ما أفرزته الصحوة من مفردات وأدبيات وما ساهمت في تمريره من أنظمة وإجراءات مازالت سارية وما أشغلت فيه الدولة والمجتمع من أمور شخصية وفردية. المراجعة والنقاش والحوار ضروري على كل المستويات، ووزارة الثقافة يقع عليها وعلى وسائل الإعلام عبء كبير في هذا الشأن؛ لأن فضح مخططاتهم وكشف وسائلهم وتعرية تاريخهم من الأغطية التي ألبسوه إياها، وكذلك الجامعات مطلوب منها عمل دراسات مستفيضة في هذا الشأن؛ لأنه في ظل عدم عمل مراجعة شاملة ستكون هناك عقبات في طريق التنمية والدولة الحديثة التي يحاول هؤلاء الصحوية أن يختطفوها ويعيقوا تقدمها ليحافظوا على مكتسباتهم الشخصية ليثروا ويغتنوا على حساب الوطن ورفعته. الخطر قائم فمازالوا متربصين مربكين لكل حراك للأمام يحاربون تطوير المناهج والتعليم ويفرضون قناعاتهم وأفكارهم على المجتمع بإثارة الإشاعات والنعرات واستخدام وسائل التواصل لإشغال المسؤول. مراجعة حساب الأرباح والخسائر وكشفه للمجتمع وللجهات ذات العلاقة مسؤولية الجميع من كتاب ومثقفين ورجال دين وجهات حكومية ومسؤولين ومراكز بحوث وجامعات وإعلام؛ لأن تسليط الأضواء يحرم المتسللين من التسلل في جنح الظلام والعمل في الخفاء. لا خوف على الأمة وعلى دينها وعلى كيانها إنما الخوف من أصحاب الأجندات المشبوهة والتي أثبت الواقع تورط بعضهم في علاقات مع كيانات خارجية تهدف وتسعى للإضرار بالوطن، مستغلين التعاطف الديني والطائفي وحسن ظن البعض بهم. لقد استغلوا كل الأزمات لفرض أجندتهم ولم يكونوا في يوم ما مع الوطن وإنما ضده، حزبيون مؤدلجون لا هم لهم غير مصالحهم الضيقة حتى لو كانت على حساب الوطن وأمنه وسلامته. * مستشار قانوني osamayamani@