تختلف الدول من حيث أنظمتها السياسية وأشكالها التكوينية، تتعطل بالرجعية والروتين فيتأثر تقدمها، وتنحرف بالمماحكات البرلمانية عن مسار نموها، قد يجز بها التعصب الديني إلى التطرف، وقد تقودها الليبرالية نحو التفسخ!!، ولكنها تتشابه في كونها كيانا هلاميا يُبنى بسواعد الأفراد ودعم الحكومات، تتناغم آلياتها تارة فتزدهر، وتتنافر أيديولوجياتها تارة فتهوي بها. منذ نشأة الفلسفة السياسية اليونانية نشأت معها حتمية الصراع بين الخير والشر، وأُقِرت التضحية ببعض الحريات في سبيل استقرار الدول وإرساء نظامها. لكن تظهر المعضلة الأكبر في السلوك الوصولي لبعض أفراد المجتمع الذين يؤرقون المجتمع ومؤسساته بالأنانية وعدم المهنية، يبررون الوسيلة التي توصلهم للغاية ذات المكاسب الشخصية، يمنحون أنفسهم مزايا ومنافع يخصّون بها أنفسهم ويؤثرونها عن غيرهم، فيبدو لغير العارفين أن الكل يتصارع مع الكل، لكنهم في الحقيقة هم الكاسبون الوحيدون من هذا الصراع غير التقليدي. إن عمق هذه الإشكالية في كون هذا الفساد الفردي منظّم بحيث يسبق بخطوات أي محاولة لإحلال العدالة، فبينما تجري محاولات الإصلاح للحد من الفساد يكون الفاسد قد أوجد حيلة جديدة لإفشال أو تعطيل ذلك التوجه، للإبقاء على المصالح المكتسبة أو مضاعفتها. ويأتي الضرر الأكبر من قدرتهم على الخلط بين مصالحهم ووطنيتهم المزيفة بل ونزعها عمن يخالفهم، فيتشتت المجتمع بين مدعي الوطنية وبين الوطنيين الحقيقيين، مما يؤدي لتخندق المجتمع في قوالب جاهزة بين وصولية انتهازية ونفاق إسلاموي وغيرها من الأيديولوجيات النفعية، بحيث لا يستطيع الإنسان البسيط الجزم بخيانة أحدهم إلا عندما تظهر علامات غرق السفينة، حينها سيقفز الفاسدون من على ظهر السفينة لا يلوون على شيء، ويبقى الوطنيون الحقيقيون لمحاولة إصلاح ذلك الخرق. فالحذر من العدو الظاهر مرة، ومن مدعي الوطنية المزيفة ألف مرة، ولنا بابن العلقمي وابن باعوراء عميق الأثر!! [email protected] بدر عبدالعزيز