من سخريات القدر، أن تحاول قطر فرض هيمنتها ووصايتها على السعودية وبقية الدول العربية، لوهلة من الزمن توهمت قطر أنها دولة عظمى قادرة على التمدد السياسي والجغرافي لو أمكن ذلك، هكذا بدون مقدمات ولا فواتير من تاريخ وجغرافيا تدفعها أجيال وراء أجيال من دمائها وعرقها ودموعها، فقط تكتشف أن لديك حقل غاز تبيعه آخر اليوم لشريكك في شركة «اكسون موبيل» لتصبح في اليوم الثاني دولة عظمى. يا لهذا الزمن الرديء الذي دفع «محدثي نعمة السياسة»، أن يتوهموا في لحظات عابرة قدرتهم على التحكم في مصير شعوب المنطقة، بدون أي مقومات ولا عمق ولا جذور، بل بالاستعاضة بمقاولين من الباطن من أفراد وجماعات وإعلام، والعبور من خلال جماعات الإرهاب، والقتل على الهوية، وهد الدول العربية رأسا على عقب، وتغيير خارطة الشرق الأوسط لصالح نزوات سياسية. دعونا نشرح للإخوة في قصر عزمي بشارة ما هي مقومات الدول الكبرى، لعلهم يعون أن حفلات كتارا، وشراء فانيلات اللاعبين المشهورين، واستضافة بطولات دولية بدون جماهير، وشراء هارودز، لا تبني تاريخا ولا تزور حضارة. إنه التاريخ العظيم الذي لا تعرفونه بعد، ولن تعرفوه قبل مضي مئات السنين، فعمركم لا يتجاوز الخمسة والأربعين عاما، منذ أن أطلقت سراحكم حكومة جلالة الملكة اليزابيث الثانية التي كانت تحكم قطر. هو ذلك الإرث الحضاري الممتد في كل زاوية من بلدنا، في لهجاتنا وفنوننا وطرز بيوتنا المعمارية من عسير جنوبا إلى دومة الجندل شمالا ومن بيوت الأحساء شرقا حتى رواشين جدة غربا. في ثقافتنا وشعرنا الممتد من غازي القصيبي حتى معلقات زهير وطرفة وعنترة ولبيد وامرئ القيس، رقصاتنا وألواننا الشعبية التي لا تستطيع أن تشتروها أو تشتروا مثلها، بسيوفها التي لا تعرفون كيف تحملونها ولا لمن تهدونها، هي تفاصيل نتوارثها كما نتنفس، لن تجدوها في أسواق أوروبا ولا في مجمعات أمريكا، إنه شيء لا تقدرون عليه لا أنتم ولا عزمي ولا كل «المرتزقة» الذين جلبتموهم. هل يعلم من في قطر أن محافظة الطائف فقط يوجد بها أكثر من 2500 قرية، كل قرية فيها ملايين التفاصيل تخرج من الإنسان والمكان، بينما لا يوجد في قطر ولا قرية واحدة، إنها حقل للغاز حوله «مستوطنة سكانية» يتحكم فيه عزمي بشارة ويوسف القرضاوي. الدول الكبيرة، لا تحسب بأرصدتها المالية، ولا بنقل السيارات الفارهة مجانا إلى فيينا ولندن وباريس من أجل التباهي بها في فصل الصيف، ولا بالفنادق والمطاعم وأندية الرياضة الأوروبية التي يتم شراؤها في صفقات غير شفافة، بل بإنجازات أبنائها، بكفاحهم يوما بيوم لتحصيل المعرفة ولقمة العيش، بالصبر والانتقال نحو المعالي درجة درجة. بالطبع تستطيع شراء أفضل اللاعبين الأوروبيين، وترشي مراقبي حقوق الإنسان في جنيف ونيويورك، وتدفع الملايين للمذيعين والصحفيين في واشنطن وباريس وموسكو، وتستأجر سائقي سيارات التاكسي والتك توك في لندن وحيدر آباد ليتغنوا باسمك، لكنهم في آخر الأمر ليسوا سوى مرتزقة سيبيعونك يوما ما لمن يدفع أكثر منك. في سعي الدوحة لزعامة الشرق الأوسط، استعانت بالخبير الإسرائيلي عزمي بشارة الذي لا يزال يحمل جنسية دولته الصهيونية وعضويته في الكنيست الذي أقسم بالولاء له. قدم عزمي بشارة نظرية مثيرة للجدل تقوم على محورين؛ أولهما، اتخاذ نموذج إسرائيل الدولة الصغيرة حجما الكبيرة بطشا وإرهابا وترويعا لدول المنطقة، لتفرض هيمنتها ورؤيتها وسياساتها، بشارة سوق النموذج السياسي الصهيوني الذي خبره وعرفه في كواليس الكنيست، حيث كان يخطط ويعمل معهم، صور المستشار السياسي لحكومة قطر أن تلك السياسات قادرة على تحويل قطر لقوة عظمى من خلال فرض هيمنة «إرهابية» على جيرانها ومحيطها العربي. بالطبع المقومات الإسرائيلية مختلفة تماما، فإسرائيل تحمل غطاء عسكريا واقتصاديا وإعلاميا غربيا، إضافة إلى أنها استطاعت بناء اقتصاد معرفي متقدم جدا، وهي كذلك متطورة عسكريا وتثق في شعبها وكونت جيشها منهم، بينما قطر «محدثة نعمة»، لجأت لمرتزقة بلاك ووتر والحشد الشعبي والحرس الثوري والجندرمة التركي بدلا من أبنائها. تعتمد الدوحة على بحيرة من النفط والغاز، وتتبجح بغناها، على الرغم من أنه لم تبدأ مظاهر المال الوفير إلا من 15 عاما فقط، ومع ذلك تعتقد أنها تستطيع فرض هيبتها بشراء كل شيء بدءا من ذمم المؤلفة جيوبهم من خونة الأوطان، وانتهاء بالجيوش الأجنبية ومنح القواعد العسكرية بالمجان وتحمل تكاليفها كاملة. المحور الثاني، يقوم على التغلغل الاقتصادي والإعلامي والحقوقي في الغرب، وإدخال السياسيين والإعلاميين وممثلي مؤسسات المجتمع المدني في الصفقات للحصول على سكوتهم، وبالفعل اشترت قطر بمئات المليارات عقارات وبنوكا وأندية رياضية وصالات ألعاب غربية، هي في كثير من الأحيان غير مبررة وليس لها عوائد تذكر. إلا أن أبرز ما يكشف العقلية القطرية التي تعيش خارج سياق الواقع، كان شراؤها «متجر هارودز» العام 2010، هنا ظنت الدوحة مرة أخرى أنها بشرائها «لمتجر بقالة» يبيع البسكويت الإنجليزي والألبان والبيتزا، أنها تحولت لبريطانيا أخرى، وأنها حصلت على درة التاج القطري، وكونت إمبراطورية هارودز العظمى التي لا تغيب عنها الشمس. ما حصل هو أن الدوحة بعد كل تلك المليارات والدعم اللا محدود لجماعات الإرهاب العابر للقارات، والرشاوى التي لا تتحملها أي خزينة ولا أي ضمير، استطاعت فرض هيمنتها ووصايتها على شعب هارودز، إنها إحدى نظريات عزمي التي لا تنتهي.