منذ أن حمل حقيبة الخارجية في بدايات العام الماضي، سار وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن في طريق "الظهور من أجل النفي"، فسياسات بلاده مربكة ومتناقضة، وتجعله في فوهة "النكران والنفي" والاعتراف في أوقات أخرى، حتى أضحت قطر مكسورة الجناح على المستوى الدبلوماسي، فالأحداث أثقل من وزيرها "قليل الخبرة". وعرف الجمهور العربي وزير الخارجية القطري الجديد عقب تصريحات أمير البلاد تميم بن حمد، التي أدلى بها في نهاية مايو الماضي، واستفتح الوزير القطري تعليق الخارجية القطري بنفي التصريحات المثبتة. وأضحى محمد بن عبدالرحمن حاضراً في معرفات البحث على الإنترنت بنفيه المستمر، فنفيه أكثر تصريحاته الحاضرة، إذ لا ينافس نفيه إلا تناقضاته، حتى أن خطاب تميم بن حمد عقب اندلاع الأزمة، جاء ليهدم جزئيات تحدث عنها وزير خارجيته في أكثر من محفل. وأحياناً كثيرة، يختلط نفي وزير النفي بتناقضاته، إذ ينتج خطاباً إنشائياً غير متماسك، فنفيه لتمويل الإرهاب لم يدم طويلاً، حتى أشار إلى أن قطر من أقل دول المنطقة تمويلاً للإرهاب، ونفيه بدعم جماعة الإخوان الإرهابية سرعان ما تهاوى بتأكيداته على براءة الإخوان في دولته وأن التنظيم الإرهابي في العرف القطري "جماعة سياسية". نفي الوزير لا يتوقف، فدعم معارضين خليجيين أمر نفاه، بيد أن التسجيلات المثبتة بين "الحمدين" والديكتاتور الراحل معمر القذافي تؤكد دعم بلاده لمعارضين سعوديين لحياكة المؤامرات على ما يعتبرها "شقيقة كبرى". كما نفى لقاءه بقاسم سليماني خلال زيارته الشهيرة إلى بغداد، ونفى دعم الدوحة لحماس، إذ يعدها من نسج الخيال، رغم أن قيادات "حماس" تجاهر بالدعم القطري. ولم يكن نفي الوزير أمس مطالبة الدوحة لتدويل الحرمين الشريفين آخر مهماته "النافية" لكل تحرك قطري، بل يأتي امتداد لسلسلة طويلة من "النفي"، ولا يصعب التكهن باستكمال الوزير لهوايته التي يجيدها سواء استمرار سياسات بلاه في التخبط السياسي. وبمتابعة إدمان الوزير لعادة "النفي" التي بدأت تؤثر سلباً على كل إطلالة له في المؤتمرات الصحفية والمقابلات التلفزيونية، يبرز سؤال جديد: هل سينفي الوزير تغريدته في سبتمبر من العام الماضي التي امتدح فيها السعوديين على ما قدموه "حكومة وشعباً من جهود جبارة لخدمة حجاج بيت الله"، والتي أكد فيها أن جهود "الشقيقة السعودية" تزيد من ثقة الأمة الإسلامية بمن يخدم الحرمين الشريفين؟.