عني الإسلام بإيجاد الحياة المتوازنة للإنسان على صعيدي العقل والعاطفة، وهذا التوازن يؤمن له الانطلاق في دروب الحياة بروح وعقل متفتح. والعقل والعاطفة هما الضدان المتكاملان، وكمال الإنسان في أن يعرف كيف يوازن بينهما في الوقت والمكان المناسبين، فلا يزيد من دور العاطفة وينقص دور العقل. فالعقل يتسم بالصلابة والقوة والتحليل المنطقي، إذ يعتمد دائما على أساس الاستدلال، ويحكم في مختلف القضايا وفق معايير وحسابات صحيحة، وتتسم العاطفة بالرقة والليونة والأحاسيس النبيلة، ويكون هدفها بلوغ النتيجة المرجوة سواء أتت مطابقة للمنطق والمصلحة، أم منافية لها. يتحرك الإنسان في حياته بدوافع من تفكيره ومشاعره، أي أن العقل والقلب هما اللذان يحددان سلوك الإنسان ويتحكمان في طبيعة أنشطته وتصرفاته. وقد يختلف الاثنان في بعض الأحيان ويصطدمان ويتصارعان، والمعروف أن العقل والعاطفة لا يتفقان على طول الخط، والاختلاف وارد خصوصا أن العقل يتحكم أكثر من الماديات، أما العاطفة فإنها تتعلق بالمشاعر والأحاسيس والأهواء الشخصية، ويختلف بعض الأشخاص عن البعض الآخر بسبب تفاوت درجات التحكم والسيطرة لكل من العقل والقلب على الإنسان. والسعيد هو الذي يحقق التوازن والتناغم والانسجام بين الاثنين, أما الاستسلام للعاطفة على حساب العقل فإن ذلك يطبع الشخص إما بطابع الأنانية وحب الذات والانجراف للأهواء الذاتية. ولهذا أصبح من الضروري الجمع بين الاثنين بطريقة متوازنة. هذا الجمع التناغمي بين الاثنين يجعل الإنسان في أحسن حالاته. فهو يجمع في اهتماماته بين المادة والعاطفة، وبين الروح والجسد، ويستخدم عقله في تدبير شؤونه وعمله اليومي فيما يفيده ويفيد الآخرين, ويستجيب لأحاسيسه ومشاعره في تعامله مع الغير وإبراز تعاطفه معهم واهتمامه بهم وإكرامه إياهم. يعتبر العقل بمثابة قاض عادل وعالم جالس في غرفة مغلقة ومحيط هادئ يطالع الأدابير بدقة ويتفهم محتوياتها بصورة متقنة ويقيس جميع جوانب القضية ثم يصدر الحكم. أما العواطف فهي تمثل الجهاز التنفيذي للسلطة القضائية، ليس واجب الجهاز التنفيذي تميز الأدلة والبيانات بل على العواطف أن تنفذ الأحكام العقلية عندما تكون منقادة للعقل. إن أحكام العقل قائمة على البرهنة وأن موافقته أو مخالفته ونقضه أو إبرامه، كل ذلك يعتمد على المحاسبة الدقيقة والمنطق. أما العواطف فلا شأن لها بالمحاسبة ولا تفهم المنطق ولا تركن إلى الاستدلال. العواطف عبارة عن العشق، مثلا حب العاشق وولعه لا يستند إلى العلم والمحاسبة المنطقية، إنه لم يعشق على طبق معادلات رياضية أو استنتاجات عقلية، إن العاشق لا يفهم دليلا ولا يدرك عقلا ولا منطقا، إنه عاشق ولهان، إن روحه تحترق بنار الحب، يأوي إلى الفراش على أمل الحبيب وينهض من فراشه على رجاء لقائه. إن العقل على ما هو عليه من الأهمية والقيمة في طريق التقدم والرقي يشبه العلم والعدالة. أما العواطف فهي ينبوع الاندفاعات والحوافز وأساس الصداقات والعداوات، يستطيع الإنسان بعقله وفكره أن يسيطر على العالم ويسخر الكون ويستخدم البحر والصحراء والجو والمعادن والنبات والحيوان لصالحه وتسهيل سبل العيش لنفسه. إن العقل يستخدم المعلومات التي تمليها عليه الأعضاء الحسية من العالم الخارجي ويوفر لنا وسائل عملنا في الحياة. إمام المتقين وسيد الوصيين صلى الله عليه وسلم قال: استرشدوا العاقل ترشدوا ولا تعصوه فتندموا. فاكس: 0126721108