AbdulmohsinHela@ لم ألتقه سوى مرة أو مرتين، ومع ذلك يمكنني الزعم بصداقتنا التي امتدت لنحو ربع قرن، تحادثنا على الهاتف كثيرا، هو كرئيس تحرير لأكثر الصحف تأثيرا حينها، وأنا ككاتب مبتدئ يعتوره حماس الشباب فيأرن أحيانا، فيحتويني بكلماته العذبة، وإن كنت أسميها «يكروتني» فيضحك ويغير الموضوع. ذلكم هو تركي السديري الكاتب الإنسان أولا والمثقف ثانيا، ورئيس التحرير الفذ ثالثا، لم أحضر بداياته مع صحيفة الرياض من مراسل إلى رئيس تحرير، ولم أشهد تطور الصحيفة على يديه وبجهده الدؤوب حتى غدت المفضلة محليا وعربيا، لقوة ما ينشر فيها ثقافيا وسياسيا. أصبحت كاتبا في صحيفته بطريق الصدفة، ناولني صديق العمر، المختفي حاليا، الدكتور حمد المرزوقي، مقالا يزعم كاتبه ألا علاقة لعلم الاقتصاد بالسياسة، فلما قلت رأيي طلب كتابته، كان كاتبا مشهورا بصحيفة الرياض فبعثه لها، المفاجأة أن المقال ولد عدة ردود، حتى غدت قضية أدارتها الصحيفة لعدة أسابيع بعنوان «جدل العلاقة بين الاقتصاد والسياسة». ثم جاء دور الصديق سعد الحميدين الذي أصر على استمراري، فكان أن غويت واستمررت، يبدو أن الثناء يغر آخرين غير الغواني. بالطبع لم تخل العلاقة مع الأستاذ تركي من مد وجزر، كنت، في الزمانات وقبل أن أروض، ونسميها عزاءً نضوجاً، أقاوم المساس بكلماتي، وكان الأستاذ الحميدين ماهرا في «مسايستي» فأرضخ أحيانا، وأحيانا أهاتف أبا عبدالله محتجا فيدخلني في نقاش طويل عن قضايا كثيرة، بتعمق يذهلني، ولما نأتي لقضيتنا يهمس ضاحكا: «دكتور، أرسل اللي بعده»، فأفهم أن المقال قد حجب. مواقفه الإنسانية مع الناس كثيرة، ومع كتاب صحيفته أكثر، ومعي شخصيا أكثر وأكثر، أدين له بالكثير، شجع بداياتي، هذب مفرداتي، تفهم اندفاعات الشباب في كاتبه المتواضع بحكمة الشيوخ وحنكة الصحفي المدرك. فتح لي صحيفته لنحو ربع قرن بمقال أسبوعي يأخذ نصف صفحة «حروف وأفكار»، دافع عني في أكثر من مناسبة ضد هواة التصيد والإسقاط، وأذكر كلمته الموحية عندما اختلفنا مرة على مفردة، قال يمكنك وصف الحمار، وكنا نتحدث عن الحمار ذلك الحيوان الوديع، بدون استخدام مفردة حمار، كأن تقول أذنه طويلة، حوافره ضعيفة، أو أنه أقصر من الحصان، ضحكت ووعدته بمراجعة مادة النقد بما يشبه المدح، غير أني لم أتمكن، فضاعت علي الحكمة. تركي إن رحل فإن بصماته تملأ الساحة، كان مدرسة تخرج منها عشرات التلاميذ، كثير منهم يملأ صحفنا اليوم ويبدعون كتابا ومحررين، أكثر من هذا ترك فكرا حرر كثيرا مما كان يعتبر «تابوز»، أو مواضيع ممنوع الاقتراب منها، أعطى مفهوما آخر للجرأة في الكتابة مقالا أو خبرا، سماه واقعية مبررة هدفها خدمة الوطن، وأعطى مفهوما جديدا للنقد بأنه لا يعني الضد، لكن نقاش الزوايا الأخرى، لذا كانت رؤية الأستاذ بانورامية. [email protected]