منذ عملت في تحرير هذه الزاوية وأنا أسمع من ينصحني بالتقصير من عدد كلماتها والاختصار من طولها المفرط.. سمعت ذلك من رئيس تحرير صحيفة المدينة، ومن تركي السديري في صحيفة الرياض، ثم من المسؤول عن القسم الثقافي الأستاذ سعد الحميدين.. ناهيك عن كتّاب وخبراء في هذا المجال مثل عميد الإذاعة السعودية الأستاذ بدر كريم، والأستاذ تركي الدخيل، والدكتور سعود المصيبيح.. والحقيقة هي أنني لم أكن غافلاً عن قيمة هذه النصيحة - فخير الكلام ماقل ودل - ولكن المشكلة التي أتحرج من قولها هي: المقال الذي ترونه في الصحيفة هو المقال بعد اختصاره فعلاً!! .. ففي حين يبدأ معظم الكتّاب بفكرة صغيرة يتم نفخها وتضخيمها إلى 400 كلمة، تبدأ مقالات حول العالم كبحث منهجي يتجاوز أحياناً حاجز الألف كلمة.. وبالطبع من مصلحتي فصله إلى جزأين متتاليين - أو ربما مقالين منفصلين - ولكنني لا أحبذ هذه الفكرة وأفضل اختصاره إلى النصف بدل الإخلال بوحدته الموضوعية.. وهنا تأتي المهمة الصعبة - التي قد تستغرق أكثر من الكتابة نفسها - فماذا أختصر؟" وماذا أحذف؟ وماذا أبقي؟ وكيف أستغني عن هذا الدليل أو ذلك المصدر!؟ .. وفي الحقيقة؛ محاولة قول كل شيء ضمن مساحة محدودة للنشر من المشاكل التي تواجه الكتّاب عموماً.. وفي كل يوم أواجه شخصياً معضلة قول المقدمة والتمهيد والتفاصيل العلمية - ناهيك عن الخلاصة ورأي الكاتب - ضمن المساحة الصغيرة التي ترونها أمامكم.. ومحاولة ذلك في الصحف أصعب من تأليف كتاب كون "الكتاب" يملك مجالاً مفتوحاً لقول كل شيء والتوسع في أي شيء (وإن لم تكفك صفحاته يمكنك إصدار أجزاء تالية والثرثرة قدر ماتريد). أما حين تكتب في صحيفة يومية فيتوجب عليك قول كل شيء ضمن مساحة مغلقة وصندوق صغير (وبدون إنهاء المقال بجملة سنكمل حديثنا غداً) وإلا ستجازف بعدم نشره أصلاً.. والأسوأ؛ كبسه أو قصه بسبب الإعلانات!! أما المفارقة فهي أنني كثيراً ما أتلقى اتصالين بخصوص المقال نفسه؛ الأول ينتقد طوله المفرط، والثاني ينتقد عدم قولي كذا وكذا (وغالباً ما تكون كذا وكذا حذفت لاحقاً بدافع الاختصار).. أذكر مثلاً أنني كتبت مقالاً بعنوان "شرقستان وغربستان" تحدثت فيه عن سر وجود كلمة "ستان" في أسماء بعض الدول.. وحينها قلت إنها كلمة فارسية الأصل وتعني "أرض" أو "وطن".. وفي اليوم التالي اتصل بي أكاديمي متخصص معترضاً على فارسية الكلمة ومشيراً إلى أن جذورها تعود إلى اللغة الهندوروبية القديمة.. فأجبته "صدقت بخصوص جذورها" كون اللغة الفارسية متفرعة أصلاً من اللغة الهندوروبية (كما ذكرت في المقال نفسه) ولكن كيف تفرعت مع بقية اللغات؛ فهذا أمر اضطررت لحذفه من المقال بدافع الاختصار (وكدت أقسم بالله أنني فعلت ذلك)!! المهم أعزائي انتهينا اليوم.. وهذا هو أول مقال بحدود 426 كلمة؛ فهل ترونه مناسباً أم تفضلون المزيد من التفاصيل!؟