بدأت إجابتي (في مقال سابق) حول معطيات الزمن الحديثة هل هي انقلاب تام لما سبق بتمهيد عن تغير مفهوم السرعة في إنجاز احتياجات الفرد. فمعطيات الوقت الراهن تؤكد أننا في زمن طوى سجله القديم، واستهل الألفية الثالثة بمعارف انقلبت على كل ما سبقها وبدأت الألف الثالثة على تأسيس عالم جديد. فمن خلال العقد الأول أوقفنا العالم أحمد زويل (رحمه الله) على زمن جديد (الفيمتو ثانية) وعندما يتواجد زمن بهذه الدقة والسرعة لا بد وأن يصاحبه فضاء مكاني يتناسب مع تلك السرعة الجديدة. ولأن مقاييس الزمن تناهت في الصغر واكبها إنجاز وإعجاز علمي دخل بالبشرية إلى فضاء مكاني جديد، ولأن بعض الأحلام تجسدت على الواقع غدا العلماء يمدون أيديهم لالتقاط أي حلم لكي يكون واقعا.. هذه هي حمولات المعرفة أنتجت كل الوسائل القيمة التي لونت حياتنا وجعلت الأشياء تبدو أكثر رفاهية. ولأن المسافة لم تعد بعيدة بين الواقع والحلم أنتجت تلك المعرفة عالما افتراضيا يمارس فيه صائدو الأحلام لعبة الصيد، وأثناء الانتظار يتلهون في ذلك العالم الافتراضي عل أحدهم يشير إلى طيور الأحلام فيسددون رماحهم لصيد معرفي جديد.. وأدوات التواصل الاجتماعي هي نتاج ثقافة معرفية أوجدتها لكي تكون ملعبا لمزاولة التنشيط في مستويات متعددة من مناشط الحياة لأبنائها، وعندما يستخدم أي فرد لا ينتمي إلى الثقافة المنتجة لن يفهم آلياتها وأغراضها. هذه الحقيقة لم يستوعبها رواد التواصل الاجتماعي في العالم العربي؛ لذلك كانت حساباتهم الشخصية تحمل الفراغ الثقافي لماهية المنتج فكانت حسابات التواصل الاجتماعي العربية فارغة الدلالة والمعنى ولأن المحيط المكاني يحمل أناسا من نفس النسيج تكون لفظة تفاهة هي الأقرب للتوصيف. ولو كنا منصفين لن نستطيع إطلاق تلك اللفظة المحقرة لمن يرتاد مواقع التواصل الاجتماعي كون المرتادين لا ينتمون إلى الثقافة المنتجة ولا يعرفون الهدف من وجود وسائل تواصل، ولأنهم جهلة بماهيتها فهم يمارسون الحياة في الواقع الافتراضي على نفس النهج المفرغ من أي إنجاز في واقعهم الحياتي. وربما يقول قائل إن أبناء تلك الثقافة المنتجة يمارسون نفس التفاهة بتقديم نجوم ليس لهم أي منجز واقعي ويتراكض حولهم ملايين المتابعين، وهنا لا بد أن نفرق أن المعرفة المنتجة تقدم لأبنائها مساحات من اللهو بينما الثقافة الفقيرة تستخدم نفس ملعب اللهو ليكون الواقعان: الافتراضي والحقيقي مجرد زمن للعب واللهو. هذه هي الفوارق بين أن تكون تافها في مجتمع منتج وبين أن تكون تافها في ثقافة فارغة لا تقدم لك إلا مساحات واسعة لممارسة اللهو، والصفة الثانية تكشف مدى تفاوت التفاهة بين مجتمع ومجتمع. ومع البعد بين فكرة مقالي وإعادة التذكير لمعطيات الثقافة الأممية نجد أن مشاعل التغير لم تعد مقتصرة على المكان الشمالي من الكرة الأرضية، بل دخل الشرق كمغير قوي من خلال المنتج التقني، بينا العرب يستهلكون منتجات منفصلة عن ثقافتهم الأم... نعم هناك خطر!.