قرأت قبل أيام في بعض الصحف المحلية أن محتالة مغربية أوهمت ضحاياها بأنها مواطنة ذات سلطة وصلاحيات تمكنها من إلحاق الشباب الراغبين في الدراسة الجامعية بالبعثات الخارجية، أو الحصول لهم على منح داخلية. وأخذت تستحلب الأموال من أهاليهم تحت مسميات مختلفة، وبعد أن تراكمت لديها الملايين وغصت بها، أغلقت بابها وغادرت بلا وداع، تاركة الضحايا يركضون خلفها يصرخون مولولين! هذه ليست المرة الأولى التي يشكو فيها الناس من أنهم تعرضوا للخداع ووقعوا ضحايا الاحتيال، مرة باسم مساهمة عقارية، ومرة باسم استثمار، ومرة باسم العلاج، وغير ذلك، تتعدد أشكال وصور الحاجات ويبقى شكل الاحتيال واحدا لا يتغير. كثرة جرائم الاحتيال في البلد تدل على كثرة وجود المحتالين، الذين يتكاثرون بسرعة ملفتة كبكتيريا شرسة تعجز المضادات عن كبح جماح تكاثرها، إلا أنه في الوقت نفسه، ما كان لهؤلاء المحتالين أن يتكاثروا بهذه الصورة المؤسفة لو أنهم لم يجدوا لاحتيالهم سوقا رائجة بين بعض السذج والأغبياء، فمن مبادئ السوق أن التجارة عرض وطلب، وأن العروض تزدهر حيث يكثر الطلب، ولعل هذا سبب ازدهار تجارة الاحتيال والخداع التي يتكرر وقوعها لدينا. إن كثيرا من المخدوعين ليسوا من صغار السن الأغرار، وليسوا من البسطاء غير المتعلمين، لكنهم من الذين عُمّي على أبصارهم، ربما لفرط الحاجة، وربما لفرط الطمع، فيتعلقون بقشة من الوهم الصريح غير مدركين أنهم بذلك يعينون المحتالين على خداعهم! أحيانا شدة الحاجة، أو شدة الطمع، تدفع بصاحبها إلى مخادعة نفسه قبل أن يخدعه أحد من خارجها، فيوهم نفسه أن ما يدعيه المحتال صحيح وممكن تحققه، فيجد راحة في مد بساط الأمل أمام عينيه لتنبت فوق ظهره كل الأماني التي يحلم بها، ويمضي وهو في شبه غيبوبة، يمد المحتال بما يطلبه من المال بسخاء بالغ، مقنعا نفسه بغباء بالغ، أن ما عجز هو عن تحقيقه يقدر غيره على الإتيان به! حتى إذا ما هرب المخادع بغنيمته، فاق المخدوع من غيبوبته، وانتبه إلى سوء فعلته، وأدرك أنه ظلم نفسه بالانسياق وراء الوهم والتعلق بقشة من خيال، فأخذ يعض أصابع الندم بعد فوات الأوان. ليس هناك ظلم أشد ألما من ظلم الإنسان لنفسه، حين يسوقها إلى حظيرة الثعالب مغمضة العينين بلا سلاح.