إنه «الغرب المتنفذ» الذي يؤثر في معظم جوانب حياتنا المعاصرة، أيما تأثير.. فهو يسهم في استمرار واستقرار أوضاع يفضلها، ويستفيد من بقائها، في أغلب أرجاء منطقتنا، بل ومعظم العالم. ويزعزع أوضاعا لا تروق له، ولا تتماهى ورغباته، وإن كانت في صالح المعنيين، وتعبر عن تطلعاتهم وآمالهم، وتجسد جزءا من مصالحهم المؤكدة. يشعل الحرب تلو الحرب.. ويثير صراعا هنا واضطرابا وفزعا هناك وقتما يشاء، وعندما تتطلب «مصالحه» ذلك، أو حتى عندما يحضه «مزاجه» لفعل أمر يمس الملايين. لا يعقد أمر إلا بإذنه، ومباركته.. ولا يحل عقد إلا إن أراد هو الحل..؟! يستغل بعض التناقضات والخلافات لإشعال صراعات، وحروب مدمرة، لا يكترث بهول نتائجها، طالما يخرج هو مستفيدا منها. من هو، يا ترى، هذا «الغرب».. ولماذا وكيف يعمل في المنطقة، والعالم، ما يعمل؟! بالطبع، إن كانت كلمة «الغرب» تعبر عن الواقع الجغرافي، فلا بد، إذن، أن يكون هناك، في ذات الوقت، شرق وشمال وجنوب. ولكن، أين «مركز» الأرض الذي تتحدد منه، وانطلاقا من موقعه، الجهات المختلفة؟! لا يوجد، في الواقع، مركز محدد لكرتنا الأرضية، وإن كنا، نحن المسلمين، نعتقد أن «مكةالمكرمة» هي «مركز» هذه الكرة المستديرة. لذلك، فإن هذا المصطلح هو مجرد مفردة لغوية تقريبية، للإشارة إلى طرف دولي بشري، بالغ القوة والأهمية. فغالبا، يقصد ب«الغرب» كامل القارة الأوروبية، ويضم البعض إليها روسيا والمنطقة الممتدة حتى غرب بحر قزوين، إضافة إلى الأمريكيتين. أما «الشرق»، فإنه يشمل شرق هذا الغرب، باستثناء أستراليا ونيوزيلندا اللتين تحسبان مع الغرب، لأسباب ثقافية واضحة. وأحيانا يشار إلى «الغرب» ب«الشمال»، وإلى «الشرق» ب«الجنوب».. وهذه المصطلحات تحسب رموزا تقريبية جدا، وغير دقيقة، وتعتمد أساسا على العامل الجغرافي المتوهم، بصفة رئيسة. **** لنسلط ضوءا (خافتا) من مشعلنا الصغير الذى نحمله هنا على ما يعرف ب«الغرب».. هذا الغرب، إن أخذنا بالتحديد التقريبي المذكور آنفا، يمتد في ثلاث قارات، بها 78 دولة مختلفة (50 دولة في أوروبا، 3 دول في أمريكا الشمالية، 23 دولة في أمريكا الجنوبية والوسطى والكاريبي، إضافة إلى أستراليا ونيوزيلندا). فهو ليس كتلة واحدة، بل إنه عبارة عن 78 كيانا مختلفا، وإن كانت عناصره ترتبط فيما بينها بروابط ثقافية ودينية وسياسية عامة محددة. صحيح، إن كل دول هذا الغرب متشابهة حضاريا.. ولكن درجة التشابه فيما بينها تختلف، وتتفاوت، من مكان لآخر. أنتج هذا الغرب، على مر التاريخ وتعاقب العصور، عدة دول «كبرى» و«عظمى»، لعل أهمها: مقدونيا، روما، البرتغال، النمسا والمجر، إسبانيا، بروسيا، روسيا، إنجلترا، فرنسا، إيطاليا، وأمريكا. وقد تعود العالم أن تظهر في هذا الغرب مجموعة صغيرة، متحالفة أو شبه متحالفة ضد غيرها من غير الغربيين، من الدول النافذة الآمرة الناهية.. التي لها تطلعات (استعمارية) خارج حدودها.. وكونها قادرة -إلى حد ما- على تحقيق هذه التطلعات.. اعتمادا على كون «العلاقات الدولية»، بصفة عامة، يسود فيها «قانون الغاب».. حيث يأكل القوى فيها الضعيف.. والضعيف يأكل الأضعف. ويمكن أن نشير الى هذه المجموعة الصغيرة، التي تظهر من وقت لآخر، ب(Imperial West) الغرب المتنفذ أو دول الغرب المتنفذة، التي كثيرا ما تتنافس فيما بينها، بل وتحارب بعضها أحيانا. ولكن بعضها -كما هو الحال الآن- يتحالف ضد من تعتبرهم أعداء مشتركين، يمثلون عليها خطرا مشتركا. **** أما بقية دول هذا الغرب، فغالبا هي دول متطورة مسالمة.. محبة للسلام، وداعية للأمن والاستقرار والازدهار. ولكن، يبدو أنه بمجرد أن تصبح الدولة الغربية -وحتى غير الغربية- قوية نسبيا.. أي «كبرى» أو «عظمى»، فإنها تنضم تلقائيا إلى نادي الأقوياء المتنفذين، ذوي الأطماع الاستعمارية، و«المصالح» عابرة القارات.. أي عضوا بمجموعة الغرب المتنفذة. من الخطأ، إذن، أن نشير إلى «الغرب» ككل على أنه كتلة واحدة، عندما نذكر ما يفعله الآخرون (خاصة الغربيين) في المنطقة، وما لهم من نفوذ بالغ التأثير في كل جوانب الحياة العامة لشعوب منطقتنا. إن من يقوم بمعظم هذه الأفعال ويمارس الهيمنة والتدخلات، على مدار الساعة، هو: الغرب المتنفذ.. الذى يتمثل حاليا في: الدول الغربية المتزعمة لحلف «ناتو» (وهى دول تعد على أصابع اليدين) إضافة إلى روسيا (اليوروآسيوية). [email protected]