على الرغم من حداثة مفهوم الحوكمة المؤسساتية في النظام الإداري العربي، إلا أنه قد حقق قفزات كبيرة في بعض الدول العربية خلال السنوات القليلة الماضية، وعندما نتحدث هنا عن الحوكمة، فنحن لا نتحدث عن ترف إداري كما يتصور البعض، بقدر ما نتحدث عن مجموعة القوانين والإجراءات والضوابط التي تضمن الشفافية والانفتاح في الجوانب الإدارية والمالية فماذا حققنا يا ترى في هذا المجال؟ المطروح عندنا تحت هذا العنوان يدور حول حوكمة الشركات المساهمة، لكن من دون تطوير يذكر لحوكمة الإطار الإداري والتنظيمي الحاضن لهذه الشركات وهو القطاع العام، وبدلاً من أن تنطلق من القاعدة فأنت هنا تقوم بقلب الهرم، على اعتبار أن الحوكمة المؤسسية مفهوم شامل تتقاطع دوائره مع بعضها البعض، ولأن هذا المفهوم يعني مساءلة الإدارة وضمان الرقابة وعدم استغلال السلطة، فقد نكون أكثر الدول حاجة لمتطلبات الحوكمة، فكلما زاد تفشى هذه الأمراض المستوطنة في جهازك الإداري والمالي، كلما زادت حاجتك للحوكمة أكثر، وفي نهاية المطاف فأنت تبحث عن إدارة صحية متقدمة تخضع للمعايير وتعليماً متميزاً قابلاً للقياس وموظفين أصحاء (وظيفياً) قابلين للتقييم، فمن يجادل اليوم في مدى الحاجة الملحة إلى كل هذه البرامج؟ رغم ذلك ثمة فجوة انتقائية في متطلبات الحوكمة بين حوكمة الشركات ومحيطها الحاضن فالمشرع الذي يضع نظاماً للشركات يمنع فيه عضوية رجل الأعمال من الجمع بين عضوية أكثر من مجلسين للإدارة في الشركات المساهمة، أو التاجر من عضوية أكثر من دورتين في الغرف التجارية، أو المتطوع من الجمع بين عضوية مجلس إدارة أكثر من جمعيتين خيريتين لا يطبق الشيء على نفسه، فليس ثمة ما يمنع عنده من أن يكون ممثلاً لدى أكثر من شركة أو جهة حكومية أو عضواً في جملة من الهيئات أو المؤسسات الحكومية، أو في مجموعة من اللجان العامة تقوم بدور مستدام أو خليط من كل هذه العضويات في هذه المجالس والشركات والهيئات واللجان الحكومية في وقت واحد. [email protected]