بقدر اهتمام الدول الصناعية بتطوير التقنية في مختلف المجالات، وبقدر حجم الإنفاق على البحث العلمي لتطوير التقنية في العالم، وبقدر المنافسة الشرسة بين الشركات المصنعة لتطوير التقنية، إلا أن هناك آثارا سلبية كبيرة وصادمة وهادمة أحيانا على المجتمع في بعض الخدمات والصناعات المتطورة، ولن أتحدث عن مجملها وإنما أخصص مقالتي اليوم على تطور صناعة تقنية وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت الأكثر والأسرع تطورا لبقية الصناعات الأخرى في العالم والأكثر والأسرع تأثيرا على المجتمعات في العالم؛ وعلى وجه الخصوص في الدول النامية، وأصبحت آثارها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية والأخلاقية كبيرة جدا، ويؤسفني أن أشبه ارتباط وانتماء أفراد المجتمع بوسائل التواصل الاجتماعي الحديثة (بالإدمان) حتى أصبح إجمالي وقت استخدام وسائل التواصل يمثل الأعلى من أوقات العمل أو الترابط الأسري او العبادات، وأصبحت صورة أفراد المجتمع صورة متشابهة في استخدام الوسائط مثل ارتباطهم بالهاتف المتنقل ومراجعة مواقع التواصل بشكل جنوني في العمل والسيارة والمسجد والمنزل وعلى موائد الطعام وفي غرف النوم، وأصبح الهاتف النقال أكبر شريك لحياة الفرد لا يمكن الاستغناء عنه. إن ملف علاج الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي عند الأفراد (فيسبوك وتويتر وواتساب وسناب شات وغيرها) هو محل بحث ودراسة في أغلب المراكز البحثية المهتمة بدراسة المجتمعات والسلوكيات البشرية لمعرفة تأثيره المباشر على بنية المجتمع وتماسك الأسرة، وأصبح أهم من التواصل الاجتماعي المباشر حيث لم تعّد الروابط الأسرية لها خصوصيتها واحترامها وتقديرها من قبل أفراد الأسرة كما كانت في السابق. فبعد أن كانت الشكاوى والمعاناة ضد وجود شخص أو اثنين مدمنين داخل الأسرة الواحدة أصبحت الظاهرة تمس الأسرة بالكامل ولم يعد الأمر عيبا أو مستهجنا لأن الأب والأم أصبحا مدمنين بل انتقل الإدمان إلى العاملات المنزلية على الرغم من أن مواقع التواصل الاجتماعي أنشئت لتكون أفضل وسيلة لتحقيق التواصل ونشر الثقافة والفضيلة بين الأفراد والجماعات. لقد أثبتت دراسات سابقة أن حوالي 400 مليون شخص يعانون من ظاهرة الإدمان على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ويعد هذا النوع من الإدمان الجديد أقوى من الإدمان على المخدرات أو الخمر أو التدخين، فله آثار نفسية وجسدية سلبية على المدمن؛ منها الخمول الجسدي وقلة الحركة والصداع والشعور الدائم بالتوتر والتعب، خصوصا عند انقطاع الإنترنت، إضافة إلى حب الوحدة والتشبث بالرأي والهروب من مواجهة المجتمع الواقعي مما قد يؤدي إلى حالات من الاكتئاب التي قد تؤدي إلى الانتحار. ويرى الخبراء أن هذه الظاهرة باتت تهدد الأسرة وأصبحت تحتل حيزا هاما في حياة الفرد، وباتت قضية تؤرق المختصين في علم الاجتماع وتجعلهم يدقون ناقوس الخطر، وتشير الدراسات إلى أن الدماغ يرغب في تفقد مواقع التواصل الاجتماعي مرة كل 31 ثانية. وازدادت تعقيدا وخطرا بعد إتاحة استخدام وسائل الاتصال عبر الهاتف النقال وأدى إلى غياب متابعة وتوجيه وإرشاد الأهل للأبناء لضمان التربية السليمة والسوية. وفي الجانب المقابل يرى الخبراء أنه على الرغم من استخدام الشباب لتلك المواقع في البداية للتسلية وإقامة الصداقات، إلا أنه ومع مرور الوقت تطورت العلاقة بين الشباب ومواقع التواصل الاجتماعي فأصبحوا يستخدمونها في تبادل وجهات النظر وتبادل المعلومات ومشاركتها مع دائرة المعارف داخل مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما ساعد الكثيرين ممن يعانون من مشاكل العزلة أو الخجل الاجتماعي من التعامل مع الآخرين على التغلب على هذه المشاكل، كما أنها نجحت في نقل الأحداث لحظة بلحظة وقت وقوعها. وينصح الأخصائيون باتباع خطوات للتخفيف من الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي وذلك بتنظيم الوقت، أي أن على المستخدم أن يقوم بتنظيم أولياته خلال يومه بحيث لا يدخل إلى تلك المواقع إلا بعد الانتهاء من أعماله الأساسية وتلبية احتياجات عائلته على ألا يتجاوز استخدامه لها مدة عشرين دقيقة خلال اليوم، ذلك لأن الوقت الذي ينفق على مواقع التواصل يزيد عن الفائدة المرجوة منها، إذ إنها تأتي على حساب أنشطة أخرى اجتماعية ومعرفية. ويوصي الخبراء كل شخص بعدم الدخول على مواقع التواصل الاجتماعي لمدة أسبوع إن كان قد مضى على استخدامه لها عام كامل دون توقف، وذلك ليزيد من السيطرة على إرادته في التعامل مع تلك المواقع. وإذا كان لي من رأي، فإنني أتمنى أن تتبنى إحدى الجامعات السعودية دراسة متكاملة عن أثر وسائل التواصل الاجتماعي على المجتمع السعودي من جميع النواحي وتقديم حلول مقبولة على رأسها التوعية والتربية واستبعاد الحلول الجذرية؛ مثل عزل المجتمع عن وسائل التواصل، لأن العنف في المعالجة يؤدي إلى عنف في البحث عن البدائل، ولنا في طرق معالجة إدمان المخدرات في المستشفيات قدوة. * كاتب اقتصادي سعودي