المعنى هنا هو الأشياء التي لا نحتاجها، أو تلك التي استنفدت منافعها، ولكن لسبب أو آخر تفرض وجودها في حياتنا لتذكرنا بجوانب الفوضى في سلوكياتنا. والحمد لله أن في كل يوم أكتشف مقدار حب زوجتي وأبنائي لي بسبب العديد من المواقف ومنها تحملهم للكراكيب التي أحتفظ بها في المنزل. ومعظمها أوراق قديمة لا فائدة لها؛ من محاضرات، واختبارات، ومحاضر اجتماعات، وملفات مؤتمرات، وأنشطة وورش عمل أكل عليها الدهر وشرب. وأعتقد أن إجمالي وزن كل ذلك يفوق وزني شخصيا بنسبة قد تصل الى 50 %. وأعتقد أيضا أن تحدي التخلص من هذه المخلفات التاريخية التي لا فائدة منها يواجه معظم البشر، فمهما نظمنا حياتنا، تجد هذه الظاهرة آليات للنمو والتغذية على الفوضى. وستجدها عند كل الناس، بل وستجدها لدى الشركات، والدول، والبشرية بأكملها. وأغرب مكان لها ليس على الأرض ولكن في الفضاء الخارجي. ولنبدأ بتعريف الفضاء الخارجي دوليا. يبدأ على ارتفاع مائة كيلومتر من سطح البحر لدى جميع دول العالم، ما عدا الولاياتالمتحدة التي تصر أن تبدأ حدود الفضاء الخارجي من على ارتفاع 80 كيلومترا. وأما مصدر تلك الكراكيب فهو الأنشطة الفضائية وإليكم ملخصا لوضعها: منذ حوالي 60 سنة، وتحديدا في 4 أكتوبر 1957، أطلق الاتحاد السوفيتي أول قمر صناعي باسم «سبوتنك1» ليدور حول كوكبنا مرة كل 90 دقيقة وليجعل أمريكا تشتعل بالغيرة. وأصبح ذلك القمر الصناعي الصغير مهمازا للتسارع في سباق الفضاء. دخلت أمريكا السباق بكل قوتها، ثم لحقتها مجموعات من الدول من أووربا بقيادة فرنسا وبريطانيا، ثم لحقتها القارة الآسيوية من اليابان، والصين، والهند، وباكستان.. ومع مرور الزمن انتشر استخدام الأقمار الصناعية للسلم والحرب إلى أن أصبحت تمس حياتنا اليومية من خلال توفير خدمات الاتصالات، والملاحة، والتصوير، ودعم النشاط الزراعي، وتطوير تخطيط المدن، وإدارة النقل والمرور، وغيرها من الاستخدامات العديدة النافعة. ولنتحدث بلغة الأرقام: عدد المركبات التي أطلقت إلى الفضاء الخارجي هي حوالى 4500 مركبة.. وعدد الأقمار الصناعية العاملة اليوم هي حوالى 900 مركبة.. وعدد القطع المتناثرة في الفضاء التي تفوق حجم لوح شوكولاته «كيت كات» يقدر بحوالى 22 ألف قطعة.. وأما الأصغر من ذلك فيقدر بأكثر من نصف مليون قطعة.. وتشمل هذه القطع أجزاء من أقمار صناعية «قرمبع» مستنفدة، وقطعا من خزانات وقود تم التخلص منها، وحطام قطع من مركبات، وممتلكات خاصة لبعض من رواد الفضاء وتشمل كاميرات وقفازات، وغيرها من الكراكيب.. تجدها على الارتفاعات المنخفضة «ليو» Low Earth Orbit LEO والتي يتراوح ارتفاعها من 100كلم إلى حوالى 2000 كلم والمدار المتوسط «ميو» MEO Middle Earth Orbit ويتراوح ارتفاعاته من حوالى 2000 إلى 36 ألف كيلومتر و«هيو» High Earth Orbit HEO لما يعلو عن ذلك.. وبصراحة حلوة «ميو».. وكأنها بسة صغيرة.. الشاهد أن الاتفاقيات والمعاهدات الدولية لا تعالج هذه الكراكيب بالشكل الكافي واللائق، لذا تبقى مشكلة بانتظار الحلول الفنية والقانونية. وقد اقترحت سويسرا أن يكون هناك نشاط لتنظيف هذه القمائم الفضائية لأنها تشكل خطورة فيما يتعلق بصدامات الكراكيب في بعضها البعض لتبدأ سلسلة من تناثر وتزايد إضافي للقطع، وتسمى بمتلازمة «كيسلر» Syndrome Kessler نسبة إلى أحد علماء وكالة الفضاء الأمريكية الذي توقعها بنهاية السبعينات الميلادية. أمنية سبحان الله أن الإنسان لم يكفه أن ينشر التلوث على الأرض فنقله إلى الفضاء الخارجي أيضا. أتمنى أن نفلح في تقليص صداع الكراكيب بأشكالها وألوانها المختلفة على أرض وبحار وهواء الله عز وجل، وفي سماء جلالته الواسعة أيضا، وهو من وراء القصد.