لم يدر في مخيلتي أن دردشة خفيفة جاءت بمحض الصدفة مع المدرب الوطني صالح المحمدي ستقودنا بين طياتها لاحقا إلى فتح الكثير من الملفات الساخنة حول المدرب الوطني ومعوقات انطلاقته، وما يلاقيه من تجاهل من قبل رؤساء الأندية على وجه التحديد، علاوة على غياب الأنظمة والتشريعات التي من شأنها المساهمة في تطوير اللعبة وتطوير قدراته ومنحه الفرصة الكاملة والثقة المطلوبة. وعلى غير العادة خرج المحمدي عن صمته مدافعا عن المدربين الوطنيين، ومطالبا في الوقت نفسه بحقوقهم فيما لو أراد المسؤولون في اتحاد القدم تحقيق تقدم يعيد أمجاد اللعبة الشعبية الأولى قاريا ودوليا، إلى جانب كشفه عن كثير من الأمور التي كادت أن تضيّع فرصة لعب منتخبنا الشاب في كأس العالم 2017 في كوريا.. فإلى نص الحوار: • دعنا نبدأ من حيث انتهت التحضيرات لمنتخبنا الشاب لنهائيات كأس العالم 2017 في كوريا. •• حرصنا في الفترة الماضية على عمل معسكرات قصيرة ولعب مباريات ودية قوية مع منتخبات متدرجة في القوة الفنية، وجار العمل على إقامة معسكر إعداد خاص في غضون الأيام القادمة من المتوقع أن تحتضنه مدينة روما الإيطالية. • هل واجهتم صعوبة خلال الأيام الماضية في وضع البرنامج الإعدادي، خصوصا أن المرحلة الماضية شهدت مرور الاتحاد السعودي بفترة انتقالية؟ •• ما زالت الأمور تسير حتى الآن وفق المخطط المرسوم مسبقا، ومرور اتحاد القدم بفترة انتقالية لم يغير شيئا، وحمد الصنيع المشرف العام على المنتخبات السنية على اطلاع كامل للبرنامج، وهذا المفترض في العمل المؤسسي. ولكن وبكل صراحة أرهقنا عدم تفرغنا كجهاز فني للمهنة، والتزامنا بالعمل في الجهات الحكومية صعّب علينا كثيرا المهمة وأسهم بصورة رئيسية في تشتيت الذهن ما بين وضع البرامج الإعدادية وتطبيقها ميدانيا والالتزام بالمهمات المرتبطة بالعمل الحكومي، الذي يعتبر بالنسبة لنا مصدر دخل رئيسي وثابت ومضمون في الوقت نفسه. • هذا يعني أن الجهاز الفني لمنتخبنا الشاب غير محترف؟ •• أنا موظف في وزارة العمل، وسعد الشهري معلم، وأحمد البحيري عسكري، والحال نفسه ينطبق على باقي أعضاء الجهاز، وأحمد الرويعي معلم تربية بدنية، ولذلك لابد من تعجيل إنشاء رابطة للمدربين الوطنيين لضمان كسب أكثر من مدرب وطني محترف. • وكيف استطعتم التغلب على مثل هذا الظرف وتمكنتم من اللعب على نهائي آسيا وخطف بطاقة التأهل لكأس العالم؟ •• إنجاز التأهل لكأس العالم في كوريا كان بمثابة رسالة لإثبات الوجود، تحدينا فيه الكثير من الظروف الصعبة التي واجهتنا وكادت أن تنهي الحلم مبكرا ووقفت بمثابة الحاجز أمام نيل شرف التأهل. وللعلم، في التصفيات الأولية في البطولة الآسيوية كسرنا أرقاما تحققت في السابق، وعملنا برنامج إعداد لنهائيات آسيا والتأهل لكأس العالم، وكنا حينها نصرف من جيوبنا الخاصة لتوفير أدوات نحتاجها كمدربين لضمان نجاح العمل، وحتى مصروف الجيب 80 ريالا في اليوم الواحد لم نكن نحصل عليه ولم يصلنا إلى يومنا هذا، وما زلنا في الانتظار. ولك أن تتخيل أنه رغم عدم قناعتنا التامة بالرقم ونحن على مشارف اللعب في كأس العالم، إلا أننا لم نتلق مجموع مصروف الجيب أو مكافآت التأهل التي وعدنا بها، ومع ذلك لم نُحبط ولم نيأس وتمكنا من التفوق والنجاح، كل ذلك بسبب وجود رغبة قوية في تسجيل منجز يسجل باسم الوطن. • ولكنني أرى بأنك إلى جانب مجموعة مدربين وطنيين آخرين تلقون اهتماما من قبل اللجنة الفنية الحريصة على تطوير الكوادر الوطنية من خلال إقامة دورات تدريبية عالية كدورة «البرو»؟ •• هذا الأمر صحيح، وحتى تتضح الصورة فإن الجميع يتفاعل بصورة إيجابية مع المدير الفني البلجيكي يان وينكل، الذي ينسب له الفضل في إحضار دورة «البرو» الأخيرة لمدينة الرياض، حرصا منه على رفع عدد المدربين الوطنيين المؤهلين تأهيلا كاملا لمزاولة مهنة التدريب في الأندية، خصوصا أن وينكل تفاجأ بأن من أبرز العوائق المتسببة في تراجع لعبة كرة القدم السعودية وعدم تطورها تدريجيا مقارنة بدول أخرى، قلة عدد المدربين الوطنيين الذين يتراوح عددهم ما بين ال200 إلى 250 مدربا وطنيا، وهذا عدد قليل مقارنة بعدد السكان، ويعد خللا لأي بلد يحرص على تطوير لعبة كرة القدم. ولهذا، نجد أن اليابان اهتمت أولا بتأهيل كوادرها الفنية ورفعت العدد إلى أكثر من سبعة آلاف مدرب بعد دراسة قامت بها أسهمت في تطور كرة القدم في أمريكا الجنوبية ودول أوروبا، ووجدت أن أول خطوة تستجوب العمل عليها هي رفع عدد المدربين الوطنيين المؤهلين بشهادات تدريب عالية. وفي اعتقادي الشخصي، أن اللجنة الفنية بقيادة الخبير يان وينكل تسير في الطريق الصحيح، وفي طريقها لتأهيل نحو 700 مدرب. • وما الذي كان يفعله رئيس شؤون المدربين الوطنيين الخبير الوطني محمد الخراشي في تلك الفترة؟ •• محمد الخراشي كان يحفر بمفرده في الصخر، وللأسف أن هذا الرجل لم يجد من يستمع له ويلبي متطلباته لتلافي خلل نقص عدد المدربين الوطنيين مبكرا، على خلاف البلجيكي يان وينكل، ف«الخواجة» كلمته مسموعة في الاتحاد السعودي لكرة القدم، وللأمانة أظهر «وينكل» إلماما واسعا بالعوائق التي تحد من تطور كرة القدم السعودية، واستطاع ترتيب كثير من الملفات كتفعيل دوري البراعم تحت 14 سنة، ونجح في خلق دوري تحت 12 سنة، إضافة إلى تكثيف الدورات للمدربين الوطنيين، ساعده في ذلك تلبية متطلباته من قبل المسؤولين دون تعقيد، متخطيا كل العقبات المفروضة من الأنظمة القديمة. • وما الدورة الأخيرة التي تعكف مع مدربين وطنيين آخرين على دراستها وحضورها من فترة إلى أخرى؟ •• دورة البرو للمحترفين في مرحلتها الثالثة انتهت قبل أيام، رخصة البرو الآسيوية والأوروبية، وهي بالمناسبة أول مرة تقام في السعودية وغالبا كانت تستضيفها بعض دول الخليج كالإمارات، وهي خطوة تحسب لوينكل بعد التواصل والتنسيق مع الاتحاد الآسيوي، وأحضر معه محاضرا في رخصة البرو الأوروبية، وبالتالي سنحصل في نهاية الدورة بعد انتهاء مراحلها على رخصة «برو آسيوية أوروبية»، وهي شهادة عالية جدا في عالم التدريب، وفي الوقت نفسه تعتبر ميزة من مميزات دورتنا، فعلى سبيل المثال «البرو» التي يسعى للحصول عليها المدرب الوطني سامي الجابر تعتبر آسيوية فقط. • ولماذا فوّت الجابر على نفسه فرصة الحصول على هذه الشهادة العالية لتدعيم ال CV الخاص به كمدرب يطمح للنجاح في هذه الخطوة؟ •• ليس لدي علم عن السبب الرئيسي لاتخاذ الجابر قرار التوجه لعمان لأخذ دورة «البرو» آسيوية فقط. هناك أكثر من سبب مجهول بالنسبة لي، قد يكون من بينها تفضيله أخذ شهادة «البرو» بطريقة خاصة بعيدا عن أعين الإعلام، وما أعلمه جيدا هو أن وينكل أوضح لسامي الجابر مميزات دورة البرو التي تحتضنها العاصمة الرياض في مراحلها الست. • هذا القرار يفتح المجال للكثير من التفسيرات، فهل تعتقد أن من بين الأسباب وجود نظرة فوقية عند الجابر تجاه زملاء المهنة الوطنيين جعلته يخجل من الدخول معهم في الدورة والحصول على الرخصة الآسيوية الأوروبية؟ •• أتوقع ذلك. • دعني أسألك عن أبرز المعوقات التي تواجه المدرب الوطني؟ •• المدرب الوطني هُضم حقه من رؤساء الأندية والإعلام والشارع الرياضي على خلاف المدرب الأجنبي، الذي يحظى باهتمام وثقة رغم أن هناك عددا من المدربين الأجانب والعرب لا يحملون شهادات تدريبية عالية وأساسية في عالم التدريب ضمن ال CV الخاص بهم، ولكن قد يكون لعامل الخبرة التدريبية والتجربة دور أساسي في جلب المدرب الأجنبي أو العربي عند رؤساء الأندية، وهذا الأمر لوحده غير كاف وتسبب في تخبطات كبيرة وملحوظة عند الأندية، وعلى سبيل المثال دوري الدرجة الأولى وفي الفئات السنية منحنا الفرصة لأسماء مدربين غير مؤهلين مما نتج عنه إقالات بالجملة، وللأسف نراهم يتنقلون من ناد لآخر محملين بنتائج فاشلة دون شهادات، ولذلك أرى بأن أكبر معضلة تواجه المدرب الوطني هي تخبطات إدارات الأندية. • وما هو الحل من وجهة نظرك؟ •• من المفترض أن تكون هناك تشريعات وأنظمة من الاتحاد السعودي لكرة القدم تحكم هذا الملف سواء للمدرب الأجنبي أو المحلي، تضبط فيه قرارات إدارة الأندية وتمنع هذه التخبطات، على غرار نظام احتراف اللاعبين، الذي يحمي اللاعب والنادي في الوقت نفسه، ولهذا أجدها فرصة للتجديد والمطالبة بسرعة إنشاء رابطة للمدربين تحتوي على لوائح وتشريعات تحمي المدرب الوطني. وللعلم، هذه الرابطة موجودة في كل اتحاد لعبة في أرجاء المعمورة بما فيها اتحادات أقل إمكانات وخبرة وتاريخا من الاتحاد السعودي، وللأسف لا توجد لدينا، وهذه كارثة بحد ذاتها، ولكن أتوقع بأن السنة القادمة ستكون مغايرة. • وعلى ماذا بنيت هذا التوقع؟ •• أوضح لنا طلال آل الشيخ بأن اتحاد كرة القدم الجديد برئاسة عادل عزت ينوي تطبيق نظام جديد بداية من الموسم الكروي القادم يحكم ويضبط عملية تعاقد الأندية مع المدربين، يستوجب توفير شهادات من دورات تدريبية أساسية تؤهل لمزاولة مهنة التدريب، تكون مرفقة مع ال CV الخاص بالمدرب. ومن وجهة نظري، فهذا التوجه سيحد كثيرا من تخبطات الأندية، وستختفي أسماء مدربين معروفين من خريطة الدوري السعودي.