تواجه السعودية تحديات سياسية، لا يمكن أن تنفك عن تداعيات 11 سبتمبر، ومن تلك التحديات وأهمها، العلاقات السعودية - الأمريكية، توقفت كثيرا أمام الرد السعودي الرسمي على تصويت مجلسي الشيوخ والنواب بالإجماع على قانون «جاستا»، فقد كان ردا مشبعا بالعقلانية الدبلوماسية واضحا في تأكيده على خطورة القانون على الدول كافة بما فيها أمريكا، وحثه مجلسي الشيوخ والنواب الأمريكي على توخي الحكمة واتخاذ الخطوات اللازمة من أجل تجنب تلك العواقب الوخيمة المترتبة على سن القانون. وتوقفت أكثر عندما طرح حول هذا القانون والسجال الدائر حول سحب أرصدة السعودية من أمريكا، وهذا الخيار«لا يختلف عليه اثنان بأنه حق مشروع للمملكة، متى ما رأت أن الوقت مناسب لاستخدامه»، وغيرها من مطالبات كمقاطعة البضائع الأمريكية. وهذه الدعوات لن تسهم إلا في تعقيد المشهد السياسي بين البلدين، وعندها تحتم المصلحة على السعوديين البحث في ما لديهم من نقاط قوة، لاستغلالها لتوثيق العلاقات المستقبلية بين البلدين، والعمل على تكييفها وفق مصالحهم السياسية. والسعوديون لهم مؤيدون وخصوم في أمريكا، إلا أن المؤيدين فرادى سواء كانوا أعضاء في مجلسي الشيوخ والنواب، أم أكاديميين أم رجال أعمال، أم مفكرين، وغيرهم، فهم لا يشكلون جبهة واحدة مؤثرة «خلاف خصومهم» بما يعرف «بمجموعة ضغط». وكما أن السعوديين مطالبون بالمرونة عند التعامل مع التحديات، فهم أيضا مطالبون بالتأكيد لأنفسهم وللإدارة الأمريكية الجديدة بالتالي: 1) العلاقات بين البلدين بنيت على مصالح إستراتيجية مشتركة مهمة في الاستقرار السياسي والاقتصادي والعالمي. 2) الدولة السعودية قامت على أسس دينية وسياسية هدفها تقديم الإسلام الحضاري القائم على التسامح واحترام الأديان ومكافحة الإرهاب والتطرف بأنواعه واحترام مبدأ السيادة بين الدول. 3) النموذج السعودي أنموذج حي وملموس للدولة الإسلامية الحضارية المتناغمة مع العالم من حولها. 4) ضرورة تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط والحد من ظاهرة فشل الدول وبروز ظاهرة الميليشيات المسلحة. ومع أهمية تلك العلاقات ورسوخ جذورها، إلا أن السعوديين عليهم أن يدركوا أن التحديات السياسية المستقبلية غير المنظورة قد تحمل الكثير من المفاجآت ما يحتم عليهم التالي: 1) الثقة بنقاط القوة لديهم، وأهمها القوة الدينية ممثلة في خدمة الحرمين الشريفين وزعامة العالم الإسلامي وما يمثله من ثقل دولي كبير. 2) تنويع التحالفات الإستراتيجية مع الدول الكبرى والصاعدة، وجعلها هدفا سياسيا إستراتيجيا على المدى الطويل، أسوة بتنويع مصادر الدخل لديهم في الجانب الاقتصادي، ولا يعني ذلك تهميش أو إلغاء تلك العلاقة الإستراتيجية المميزة مع أمريكا. 3) القناعة التامة بأن الغرب وفي مقدمته أمريكا، والتي تشهد نموا كبيرا في عدد المسلمين، هم أحوج ما يكونون إلى السعودية الدولة الإسلامية المعتدلة والمتصالحة. 4) الاستفادة من الجاليات المسلمة الفاعلة المعتدلة والمندمجة في مجتمعات الدول الكبرى والصاعدة وفي أمريكا على وجه الخصوص لتقديم الصورة الصحيحة للإسلام الحضاري الذي تمثلة السعودية. 5) إيجاد تحالفات إستراتيجية مع دول العالم الإسلامي، خاصة تلك الدول المؤثرة على الساحة الدولية. 6) تعزيز دور رابطة العالم الإسلامي ومنظمة التعاون الإسلامي وتفعيل دورهما السياسي المدروس بين الدول الأعضاء والتصدي لكل الخطط والحملات الهادفة لربط الإسلام بالإرهاب. ونحن متفائلون وعلى ثقة بأن القيادة السعودية الراشدة قادرة على رسم خريطة طريق سياسية آمنة لعلاقات السعودية مع الدول كافة وخاصة أمريكا في فترة الرئيس دونالد ترمب، مع إدراكنا التام بأن السياسة في التعامل مع الدول ليست دائما هي الأفضل، إلا أنها تبقى فن الممكن!. [email protected]