في كل مؤسسة كُبرى - حكومية كانت أو خاصة - هناك إدارة للعلاقات العامة، والهاجس الأهم لهذه الإدارة هو مراقبة العلاقة القائمة بين المؤسسة وبين مجتمعها الداخلي والخارجي، مع العمل باستمرار على تعزيز الصورة والمحافظة على طبيعة الحضور الجماهيري وتحقيق جملة من الغايات الاتصالية النبيلة ضمن أفضل المستويات المترجمة للرسالة والأهداف، بفضل توفير فريق متخصص يعمل بشكل احترافي. ومن أهم ما تعاني منه المملكة وينتج عنه تأخر واضح في تحقيق الدور الحيوي لصناعة العلاقات هو اختلاط العلاقات بالإعلام بالمراسم بالتوعية، في مشهد لا يبتعد كثيرا عمّا يفعله عامل بوفيه عندما يصنع لزبائنه «سُندوس مُسكّل». فتكون النتيجة، بعد «الشهوة»، بدائية وارتجالية متبوعة بحموضة، وآلام في المعدة، لا يصح معها الهرولة، ولن تبتعد محاولات الاستطباب عن مراوحة في نفس المكان. والعلاقات العامة في بلادي مبتلاة بأمر آخر، وهو جذبها لعدد كبير ممن لا (علاقة) لهم بالمهنة من قريب أو بعيد. فهذه الصناعة الهامة أحوج ما تكون إلى متخصص، أو ممارس خبير، وصاحب رؤية، وذاك المبدع في ابتكار الرسائل، وثالث يهرول خلف أنجح الشراكات، وآخر يجيد خلق أنجح الحَملات، وخامسٌ يعشق توفير الإمدادات من أضخم موازنة إلى أصغر قصاصة. من هنا، خذلت إدارات العلاقات مؤسساتها، لأنها قطعت الطريق على الوصول الفعلي إلى الجمهور والتواصل معه، وإبراز ما يعكس أي إيجابية حقيقية. النكبة تتزايد بتزايد عدد من يتوددون إلى إدارات العلاقات ويرغبون في الانضمام إليها إعجابا ببريق نجاحات سابقة، ولا يعلم هؤلاء أن أي ضوء تحقق جاء بعد اشتعال فريق مُبدع عمِل باحترافية عالية. ومصيبة الإدارات المتخصصة والمتعلقة بمطالب مهنية نوعيّة تبدأ بعد دخول هؤلاء بأعداد فائضة، الأمر الذي يعيق ويشتت الجهود، مع الانشغال بأمور «البرستيج» على حساب الإنتاجية. ومن هنا يبدأ الهدم عبر شرخ عميق يصيب المؤسسة، وبالتالي سمعتها وصورتها للأسف. يحدث هذا في ظل بقاء عشرات من خريجي بكالوريوس العلاقات عاطلين عن العمل، والعذر دائما هو ضعف اللغة الإنجليزية. من هنا، تكتشف لماذا تنشغل إدارات العلاقات في مؤسسات ضخمة بمراسلة الصحف الكبرى بأخبار سطحية (حفلات معايدة مثلا) تُقزّم الغاية من إنشاء إدارة ضخمة وحصرها في إبراز صورة فوتوغرافية لمسؤولين كبار مبتسمين لسبب مجهول، وإهدار فرصة عظيمة كان يمكن معها استعراض مُنجز يستحق الوصول إلى آلاف القراء، كإبراز عناصر وطنية ناجحة ضمن مؤسستهم، تعكس صورة إيجابية عن بيئة العمل، والوصول بهذا إلى أكبر عدد من المهتمين عبر أضخم المنصات الإعلامية المنحازة والداعمة لأي مُنجَز وطني.