أشعلت مذبحة بلدة الحولة السورية غضب العالم لكن من غير المرجح أن تنهي موقفا متأزما مستمرا منذ عام في مجلس الأمن التابع للأم المتحدة بين روسيا حليفة سوريا والقوى الغربية التي تدعو إلى الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد. كانت المذبحة من أسوأ حوادث العنف خلال الانتفاضة المستمرة منذ 14 شهرا ضد حكم الأسد والتي بدأت باحتجاجات سلمية مطالبة بالديمقراطية لكن طغت عليها بصورة كبيرة العمليات المسلحة مع وجود مؤشرات على أن متشددين إسلاميين حنكتهم المعارك جاءوا من الخارج للانضمام للمعركة ضد الأسد مستخدمين أساليب اقترنت بهم مثل التفجيرات الانتحارية. وطردت سبع دول غربية على الأقل سفراء سوريا من عواصمها يوم الثلاثاء في خطوة منسقة ضد دمشق نتيجة قتل أكثر من مئة مدني في الحولة منهم الكثير من الأطفال والنساء. لكن مثل تلك الخطوات رمزية بصورة كبيرة. وفي نيويورك حيث تحاول الولاياتالمتحدة وحلفاؤها الاوروبيون منذ العام الماضي دون جدوى إقناع روسيا والصين بتأييد العقوبات ضد دمشق ما زال مجلس الأمن الدولي منقسما بشدة. وقال دبلوماسي في المجلس طلب عدم نشر اسمه لرويترز "لا توجد مؤشرات تفيد أن روسيا والصين مستعدتان لتأييد خطوات أكثر صرامة في الأممالمتحدة رغم ما حدث في الحولة." واستخدمت روسيا والصين حق النقص (الفيتو) ضد قرارين أدانا دمشق بسبب العنف لكنهما انضمتا مؤخرا إلى باقي دول المجلس في الموافقة على قرار نشر مراقبين عسكريين عزل ومساندة خطة الوسيط الدولي كوفي عنان. ولم تتمكن خطة عنان حتى الآن من وقف العنف. ما الذي يمكن ان يغير آراء روسيا والأوضاع داخل المجلس لصالح اتخاذ موقف أكثر صرامة من دمشق والأسد؟ يقول ديفيد بوسكو من الجامعة الأمريكية في واشنطن إن هذه الأزمة التي يشهدها المجلس ستظل قائمة ما دام الأسد قادرا على تفادي جهود الإطاحة بحكومته. وقال "من المرجح ألا تتبدل أوضاع المجلس قبل تبدل الأوضاع في الصراع السوري ذاته... ما دامت أمام الحكومة فرصة معقولة في التمسك بالسلطة أتوقع من روسيا والصين أن تعارض اتخاذ إجراءات مشددة لإضعاف سلطة النظام." وأيدت روسيا بيانا غير ملزم من مجلس الأمن يوم الأحد أدان المذبحة بأقوى العبارات الممكنة وانتقد الحكومة لاستخدامها الأسلحة الثقيلة ضد التجمعات السكانية في حين أنه دعا في الوقت ذاته كل الأطراف لإنهاء العنف. وقال أيضا البيان الذي صدر بالإجماع إن المذبحة قد تمثل انتهاكا للقانون الدولي. وأبدت قوى غربية بوضوح أملها في أن تقنع مذبحة الحولة الدامية موسكووبكين بفرض عقوبات على سوريا. وصرح مارك ليال جرانت سفير بريطانيا في الأممالمتحدة للصحفيين بنيويورك يوم الثلاثاء بأنه تحدث هو ومندوبون آخرون عن مذبحة الحولة مرة أخرى في اجتماع مغلق للمجلس. ومضى يقول "أثار الآن أغلب أعضاء مجلس الأمن قضية سوريا خلال المشاورات ومنهم أنا مع التأكيد على أن الوضع الحالي لا يمكن استمراره.. وأن أكثر من 12 ألف شخص قتلوا وأن مذبحة الحولة ينظر لها كثيرون في المنطقة وبشكل أوسع نطاقا على انها تغير قواعد اللعبة." وأضاف أن المجلس يتطلع لاجتماع يوم الاربعاء حول سوريا والذي سيتلقى خلاله إفادة من جان ماري جوينو نائب عنان حول محادثات الوسيط الدولي مع الأسد في سوريا. وأردف قائلا "نود أن نرى مناقشات استراتيجية سليمة في ذلك الاجتماع بشأن شكل الخطوات التالية." وعادة يعني مصطلح "الخطوات التالية" عقوبات في القاموس الدبلوماسي. لكن روسيا لا ترى الحولة فيما يبدو مدعاة لتغيير قواعد اللعبة وما زالت تلقي اللوم على كلا الجانبين في المذبحة. وحث وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف متحدثا مع عنان في مكالمة هاتفية يوم الثلاثاء الحكومة ومقاتلي المعارضة على وقف العنف وكرر المطالبة بإجراء تحقيق فيما حدث في الحولة. وقالت وزارة الخارجية الروسية إن لافروف "أبدى انزعاجه الشديد فيما يتعلق بمأساة الحولة وأكد على أن كل الأطراف السورية يجب ان ترفض العنف دون تأخير بهدف منع وقوع مثل هذه الأحداث في المستقبل." وألقت الحكومة السورية باللوم على متشددين إسلاميين فيما حدث بالحولة. كما أدان ليو وي مين المتحدث باسم الخارجية الصينية ما حدث من "قتل وحشي" في الحولة في تصعيد لإدانة بكين للعنف. لكن ليو لم يصل إلى حد إدانة حكومة الأسد مباشرة. وقال مسؤولون بالأممالمتحدة يوم الأحد إنه لم يتضح بعد من المسؤول عن المذبحة. لكن ايرفيه لادسو رئيس قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة كان أكثر وضوحا عندما تحدث للصحفيين في نيويورك يوم الثلاثاء. وقال إن الجيش وميليشيات "الشبيحة" الداعمة للأسد مسؤولة "على الأرجح" عن المذبحة التي قتل خلالها 108 أشخاص بنيران المدفعية والدبابات والأسلحة الصغيرة والمدي. وقال لادسو انه على الرغم من "شكوكه القوية" جاءت الأدلة أقل وضوحا بشأن تورط الشبيحة في القتل بالمدي والأسلحة الصغيرة. وبقوله هذا لم يبرئ بشكل قاطع مقاتلي المعارضة. ومثل هذا الافتقار إلى الوضوح يتيح لروسيا والصين فرصة لتأجيل عملية اتخاذ موقف ويترك الأزمة كما هي إلى حين ان يقدم تحقيق كامل دليلا دامغا على أن الحكومة هي المسؤولة على افتراض أن هذا ما سيتوصل إليه محققو الأممالمتحدة. ورحبت فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية بقبول روسيا اجراء تحقيق كامل وقالت إن واشنطن ليس لديها شك في التوصل إلى الدليل الدامغ. وقالت "نعتقد أنه ما من شك فيما سيظهره التحقيق... سيظهر أن المسؤولين هم مجرمون مدعومون من النظام اجتاحوا القرى واقتحموا المنازل وقتلوا الأطفال وآباءهم من مسافة قصيرة." وحتى الآن فإن خطة سلام عنان المؤلفة من ست نقاط وجهود الوساطة وكذلك نشر نحو 300 مراقب عزل من الأممالمتحدة لم تسفر عن تنفيذ الهدنة وبدء الحوار السياسي بين الحكومة والمعارضة بهدف "الانتقال السياسي" الذي يمثل محور خطة عنان. وفي الوقت ذاته أوضح لادسو أنه ليس هناك "خطة بديلة" لمساعي عنان التي تؤيدها روسيا والصين بشدة. وقال "ليس هناك بديل.. ليست هناك لعبة أخرى.. ما من أحد سيطرح خطة أخرى... هذه هي الخطة التي نؤيدها.. والخطة التي نعمل عليها." وتنتهي فترة تفويض قوة مراقبي الأممالمتحدة ومدتها 90 يوما في أواخر يوليو تموز. ويقول دبلوماسيون إنه لم يتضح ما إذا كان المجلس سيجدد التفويض في حالة عدم تحسن الوضع في سوريا.